في علم القيادة يؤكد المتخصصون أن من أصعب ما يواجهه القادة الجدد هو دورهم وخططهم وإبداعاتهم وإضافاتهم الجديدة إذا أتوا بعد قادة مبدعين منتجين متميزين تركوا خلفهم إنجازات عظيمة، فيصبح الأمر بالنسبة إليهم صعبا. وبعض من القادة الجدد يكتفون بالمحافظة على إنجازات من سبقوهم، وفي هذا حكمة وعقلانية، ويحاول البعض الآخر الإضافة والتطوير إلا أنه تظل الذكرى في الإنجاز لمن سبقهم. وهذا بالفعل ينطبق على قيادة الأمير خالد الفيصل في منطقة مكة المكرمة؛ حيث استطاع في فترة بسيطة أن يحقق إنجازات غير مسبوقة لهذه المنطقة، ويعالج قضايا كانت تعتبر معضلة لأبناء مدن منطقة مكة المكرمة. فمعالجة أزمات مدينة جدة من مخاطر السيول وكوارث الأوبئة وتأمين سلامة المواطنين ومعالجة قضية العشوائيات ودعم البنية التحتية وتطوير مطار الملك عبدالعزيز ومعالجة أزمة الإسكان هي إنجازات تحسب له. وفي مكة المكرمة كان دوره في تنفيذ المخطط الجديد لتوسعة الحرم الشريف وتطوير مداخل ومخارج مكة ومعالجة قضية العشوائيات وتطوير الخدمات في المشاعر المقدسة لحجاج بيت الله وتنظيم آليات دخول المسلمين وخروجهم من الحرم الشريف وتطوير خدمات أخرى للمسلمين هي أيضاً إنجازات تؤرخ له.

أما في الطائف فكانت إبداعاته الفكرية والثقافية والاقتصادية، وأكبر إنجاز له المشروع العملاق الذي أحيا به أحد الأسواق التاريخية في الجزيرة العربية بل أكبرها وأهمها، سوق عكاظ، الذي كان يعد أحد العلامات الفارقة والمميزة لمنطقة الطائف يجمع بين الاقتصاد والثقافة والفكر ويتبارى فيه الشعراء في الجزيرة العربية، ومنه خرجت المعلقات السبع التي علقت على الكعبة المشرفة، وكان يعد منفذ تسويق للصناعات والمنتجات في الجزيرة.

من يتابع تطور سوق عكاظ الحديث ويطلع على خططه المستقبلية سيتأكد أن وراء هذه البداية مشروع ضخم يجمع بين التنمية الثقافية والسياحية والعمرانية والإسكانية ومركز تسوق للسلع والمنتجات الوطنية والحرف اليدوية. ولقد سعدت هذا العام عندما علمت أن جامعة الطائف سيكون لها فرع علمي داخل هذا السوق، وأن هناك وزارات وجهات معنية أخرى ستوجد داخل دائرة السوق، والحقيقة كنت ولا زلت عند رأيي الذي كتبته في العام الماضي وأنادي فيه بأن يلعب الاقتصاد دوراً بارزاً وأساسيا في سوق عكاظ، ويكون هو المحرك الرئيس لجميع الفعاليات المصاحبة لأن اقتصاديات تشغيل سوق عكاظ الحديث ابتداءً من الفكرة إلى الإنجاز كان وراءها الأمير خالد الفيصل، حتى الداعمين والرعاة والمساهمين من رجال الأعمال والغرف والبنوك كان له الفضل في استقطابهم لثقتهم في إنجازاته. إن فكرة إعادة وتطوير سوق عكاظ التاريخي تنبثق من رؤية وأهداف الأمير خالد لإعادة الاعتبار إلى مكانة سوق عكاظ الفكرية والثقافية والإنسانية، والاقتصادية أيضا، والانطلاق منها إلى بناء مشروع نهضوي وحضاري يعنى بمد الجسور بين الماضي والمستقبل بالعناية والإبداع والتميز العلمي ونشر الثقافة والعلم والمعرفة.

والحقيقة لم أكن أتصور أو أصدق أن الحلم سيتحول إلى حقيقة، وكنت قد تابعت الفكرة منذ السنة الأولى للمشروع، واستمعت في إحدى السنوات إلى أحلام الأمير خالد الفيصل، ولكنني كنت متأكداً أن عزيمة الأمير وإصراره وتجاربه السابقة الناجحة سوف تصنع المستحيلات لنجاح سوق عكاظ الحديث، فهو ليس خيمة أو مجموعة خيام وسط الصحراء وإنما هي مجموعة متكاملة من فكر وثقافة وفن وتراث وعلم واقتصاد وصناعة وتجارة.

وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أتمنى أن يتحول هذا المشروع إلى عمل مؤسسي إما على هيئة جمعية تعاونية أو شركة مساهمة أو مجموعة من الشركات المساهمة لنضمن استمرار اقتصاديات المشروع. إن جهود ومتابعة الأمير خالد الفيصل هي التي استقطبت جميع الوزارات والأجهزة المعنية الأخرى بما فيها القطاع الخاص، وأتمنى أن يتواصل هذا المشروع للأبد وأن لا يرتبط بأشخاص.

وكما بدأت مقالتي قائلاً إن من أصعب مهام القيادات الحديثة هي المحافظة فقط على منجزات القيادات المبدعة قبلهم ومحاولة الإضافة إليها أو تطويرها. وأعان الله من يأتي خلفاً للأمير خالد الفيصل في أي عمل وإنجاز. إن فكرة إقامة معرض الصناعات الوطنية أو إقامة معرض الصناعات الإسلامية داخل السوق خلال فترته هي فكرة داعمة ومساندة لاقتصاديات التشغيل. مؤكداً لرجال الأعمال أن هناك فرصا استثمارية جاذبة في هذا المشروع العملاق، فهي ليست فقط شعراً أو نثراً أو أدباً أو مسرحاً، وإنما هناك مشاريع اقتصادية تنتظرهم في البناء والتشغيل والصيانة والإدارة. وأخشى عليهم ضياع الفرص لو أهملوها.