الشعر مصباح علاء الدين الذي لا ينطفىء، الشعر غيمة تتسلل كالقمر الجوال في عتمات الحياة، الشعر رجفة تهز سقف المدينة النائمة، الشعر حامل المشاعل من بيت إلى بيت على رأي محمود درويش، بل هو الغناء الخلاب في نهر القيظ وذؤبات الشتاء، يمسح بيديه العذبتين على رؤوس الشجر، ويسحب إزاره الأخضر على حوافيها فيوقظ روح الخصوبة وأشواق العصافير السجينة. الشعر أنفاس الأرض على مفارق الطرق، وحناجر ربابة أرقها السهر المنسرب من أسرار الدهور، استباحوا دمه حيناً ونعتوه حيناً بالغامض والمنكشف، رجموه وحمّلوه كل ذنوب وأوزار العصور وشرور الكهانة، وأسكنوه حيناً كراسات المجد وبهاء اليقين الساطع، وردهات الممالك المرصعة بالينابيع الخرافية، لم يحتدم أو يحتج وسار في طريقه كالفيضان الطافح بالنجوم والدهشة والشموس المرتحلة بين عوالم الكون، إنه خبز العرب ورعشة حناجرهم، وحبل سرهم وبرق مساءاتهم في شوارع الغربة وسديم العمر.

قال الحجاج للمساور بن هند: ما لك تقول الشعر وقد بلغت من العمر ما بلغت؟ قال: أرعى به الكلأ، وأشرب به الماء، وتقضى لي به الحاجة.. وقال عبدالملك بن مروان لمؤدب ولده: روهم الشعر يمجدوا وينجدوا.. وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم.. وبعث زياد بولده إلى معاوية رضي الله عنه فكاشفه عن فنون العلم فوجده عالماً بكل ما سأله عنه، ثم استنشده الشعر فقال لم أرو منه شيئاً، فكتب معاوية إلى زياد: ما منعك أن ترويه الشعر؟ فو الله إن كان العاق ليرويه فيبر، وإن البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل..

كل هذه المقتطفات والشذرات وغيرها استعان بها الباحث فهد حمود الحيص ليدلل على أن ليس كل الشعراء يتبعهم الغاوون. قال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن، وكذا قال مجاهد وعبدالرحمن بن زيد وغيرهما، وقال عكرمة كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس -أي جماعة- ولهذا فئام من الناس، ثم قال سبحانه (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات... الآية).

وقد وردت في كثير من ذخائر الموروث الإسلامي قصائد عظيمة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة والعباس وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً، وحفظ ديوان العرب والمسلمين أسماء شعراء لن تنسى قلائدهم: كحسان وكعب بن زهير وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة والإمام مالك وغيرهم من الشعراء القدماء والمعاصرين الذين انتصروا للحق والفضيلة.