زين العابدين غرم الله الغامدي
إذا أرادت الشعوب أن تغيِّر من واقعهـا العملي نحو الأفضل فلا بد أن تتغير هي، وتتحول من حالة الضعف إلى القوة، لابد أن نبني في داخلنـا وأنفسنا القوة، لابد أن نستمد قوتنـا من ذواتنا ببناء قوي وجديد.
مشكلة المجتمع العربي اليوم أنه استمرأ الضعف وتعوّد عليه، وارتضى الاتكالية والعيش على موائد الآخرين.
الإنتاج الذي ينتجه العامل العربي أضعف بكثير من إنتاج العامل الشرقي الياباني أو الغربي الأوروبي أو الأمريكي. الطالب الجامعي في جامعاتنا العربية لا يقرأ كمـا يقرأ غيره؛ تعوّد على التلقين المستمر وعلى العلوم النظرية، وأهمل البحث والعلوم التطبيقية، ولم يمارس العملية التعليمية بشكل أفضل في حياته اليومية كما يمارسها الطلبة المتفوقون في الدول الأخرى المتقدمة، وقد يكون السبب في ضعف المعلم، وتخلّف الوسائل التعليمية، ودورانها في فلك أساليب قديمة لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي بيئة تعليمية سيئة.
وليس بصحيح أن العقول العربية غير العقول الأخرى. العقول واحدة ولكن طرائق التفكير مختلفة، وطريقة التعاطي مع المادة واستعمالهـا فيمـا ينفع. مشكلة الشعوب العربية أنهـا تفتقر إلى الوعي الحضاري وتُعنى بسفاسف الأمور وتتعاطى مع المشكلات اليومية بكل سلبية، فظهرت أجيال تلو أجيال غير معنية بمصالحهـا ومقدراتهـا، بل معنية فقط بلقمة العيش وكيفية تحصيلهـا، والقناعة بأقلِّ القليل. ليس هناك طموح أو تطلع إلى الأفضل على الأصعدة كافة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية وغيرهـا. واقع مرير تتابعت عليه أجيال الشباب العربي، الذي تبني على أكتافه الشعوب النهضة الحضارية، والتي تتطلع إلى قيادة العالم وسياسته.
إذا أرادت الشعوب أن تسابق نحو الأفضل فلابد من الالتفات إلى الجيل الجديد من الشباب، وبناء لحمته، وتقوية أصوله، وزراعته من جديد، وتنشئته على القوة والعمل الجاد، والتطلع نحو الأفضل، وعدم الرضا بالدون، والتركيز على اعتزازه بتراثه وتاريخه، وتكوينه تكوينًا علميـًا ممتازًا ليكون متميزًا ومنتجـًا، وتنمية روح المنافسة الشريفة بينه وبين أقرانه في الدول الأخرى، والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي نهضت في فترة وجيزة، ونافست أممـًا سبقتهـا في ركب الحضارة منذ قرون.
الحياة المعاصرة اليوم تفرض علينا أن نحدث تغييرًا جذريًا، وأن نحاول دراسة أسباب ضعفنا وتخلّفنا، وأن نسعى قصارى جهدنا في معرفة أسباب التقدم، ونبذل في سبيلها كل الجهد.
وفي سبيل البحث عن الحرية والعدالة والمساواة لابد أن نكون نحن أحرارًا من ربقة الجهل والضعف والتخلف، وألا نرمي على الأنظمة الحاكمة كل أسباب فشلنا وانهيارنا. التغيير يأتي من الداخل، من أعماق النفس البشرية، من ذاتها، من حالة الرضا بالقليل والاتكال على منتجات الأمم الأخرى، إلى حالة الإبداع والإنتاج الذاتي ولابد ـ في سبيل ذلك ـ من معرفة الأمراض المزمنة التي تفشّت في عروقنـا كسرطان خبيث أصاب الأمة بالشلل التامّ والانصهار في عوالم أخرى وفقدان الهوية أو ذوبانها.
لابد من بنـاء شخصية مستقلة استقلالاً ذاتيًا عن المجتمعات الأخرى، وهنـاك فرق بسيط بيننـا وبينهم؛ أن الواقع والبيئة التي يعيشون فيهـا مختلفة تمـامًا؛ فهي بيئة تساعد على التقدم والنمو، وتعطي الحرية الكاملة للإنتاج والإبداع، بينمـا الواقع العربي وبيئته اليوم وأنظمته لم توفر القدر الأدنى من الحرية؛ فانشغل المجتمع العربي بالبحث عن لقمة العيش، بعيدًا عن محاولة إيجاد مصادر جديدة للعيش الكريم في ظل الفقر والبطالة، وإذا تحرك ناهضًا توجه صوب مجتمعه وإحداث البلبلة. ليست هذه الطريقة مجدية على المدى البعيد. الذي يجدي وينفع أن تتغير الشعوب من داخل أنفسها وأن تبدِّل واقعها من الضعف إلى القوة، ومن الاستضعاف إلى الكرامة، ومن الخور والاتكال إلى العزيمة والرشد والعمل الجاد المبدع، بإرادة لا تعرف الكلل أو اليأس والملل.
ودروس التاريخ كثيرة ونابضة بنماذج مشرفة في تراثنا التاريخي الذي أثبتت الأجيال فيه بصور مشرقة أن التغيير ممكن، وأنه لابد من الأخذ بالأسباب، والتعاطي مع سنن الكون التي تلحُّ على أن التغيير ضرورة ممكنة وغير مستحيلة، وإذا وجدت الإرادة والإخلاص، وتم بذل الجهد في إطارٍ من الحرية والاستقلال تم التغيير المنشود نحو الأفضل، وتحركت عجلة التقدم والرقي، ولكن من ذواتنـا نحن، لا من غيرنـا، وليس بالضرورة أن يستجيب القدر في كل الأحوال.