في لسان العرب "عكظ دابته يَعْكظُها عَكظاً: حبَسها. وتعَكّظ القوم تَعَكظاً إِذا تحَبسوا لينظروا في أُمورهم، ومنه سميت عُكاظ. وعكظَ الشيءَ يَعْكِظُه: عَركه. وعَكَظ خصْمَه باللّدد والحُجج يَعْكِظه عكظاً: عَركه وقَهَره. وعكظَه عن حاجته ونَكظه إِذا صرَفَه عنها. وتَعاكظَ القومُ: تعاركوا وتفاخروا. وعُكاظ: سُوق للعرب كانوا يتَعاكَظُون فيها؛".. قال الليث: سميت عكاظاً لأَن العرب كانت تجتمع فيها فيَعْكِظ بعضهم بعضاً بالمفاخرة أَي يدعَك، وقد ورد ذكرها في الحديث.. وقال الأَزهري: هي اسم سُوق من أَسْواق العرب وكانت قبائل العرب تجتمع بها كل سنة ويتفاخرون بها ويحضرها الشعراء فيتناشدون ما أَحدثوا من الشعر، ثم يتفرقون، قال: وهي بقرب مكة كان العرب يجتمعون بها كل سنة فيقيمون شهراً، يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون، قال دُريْد بن الصِّمّة: تغيبت عن يومي عكاظ كلَيهما وإِن يكُ يومٌ ثالث أَتغيبُ..

وسوق عكاظ هو أهم أسواق العرب وأشهرها على الإطلاق.. ويقول موقع سوق عكاظ: "اشتهر سوق عكاظ عند العرب كأهم أسواق العرب وأشهرها على الإطلاق، كانت القبائل تجتمع في هذا السوق شهراً من كل سنة، يتناشدون الشعر ويفاخر بعضهم بعضاً، ولم يكن سوق عكاظ مكاناً ينشد فيه الشعر فحسب، بل كان أيضاً موسماً اجتماعاً قبائلياً له دوره السياسي والاجتماعي الكبير، فقد مثّل عكاظ لقبائل العرب منبرا إعلاميا يجتمع فيه شيوخ القبائل بعشائرهم، وتعقد فيه مواثيق وتنقض فيه أخرى، كما كان السوق مضماراً لسباقات الفروسية، وسوقاً تجارياً واسعاً تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن، ومنتدى تطلق فيه الألقاب على الشعراء والفرسان والقبائل وغير ذلك، ومنبراً خطابياً تقال فيه الخطب، وينصت له الناس، ومجلساً للحكمة تحفظ فيه الحكم وتسير بها الركبان ويتمثل بها الناس.

ويعود تاريخ عكاظ إلى ثلاثة أو أربعة قرون قبل الميلاد وقد نشط في الفترة السابقة لظهور الإسلام، واستمر في عهد النبوة وصدر الإسلام أيام الراشدين وزمن بني أمية حتى سنة 129هـ، حيث ثار الخوارج ونهبوه، وقد تأثر سوق عكاظ بتوسع الدول الإسلامية وانتقال مراكز الحضارة من الحجاز إلى دمشق ثم بغداد، حيث المدن الكبيرة، وبدأت الحياة الجديدة في الشام والعراق ومصر تجذب الناس إليها مع الاهتمام بالفتوحات، مما أضعف الحاجة لسوق عكاظ ودوره التجاري خاصة.

وفي عام 1428 هـ تبنى أمير منطقة مكة المكرمة فكرة إحياء سوق عكاظ بطريقة تحفظ له عراقته وتاريخه وصورته، وبنكهة عصرية تحقق أقصى استفادة على كل المستويات الحياتية بما يخدم الإنسان والمكان، وافتتح الأمير خالد الفيصل، فعالياته قبل ثلاث سنوات بعد انقطاع استمر حوالي 1300 سنة. ولا شك أن وجود الأمير خالد على رأس لجان سوق عكاظ يشكل دافعاً قوياً للعاملين في هذا المشروع، الذي ينتظره مستقبل باهر حين تكتمل عناصر المشروع وتبنى المدينة الثقافية السياحية لسوق عكاظ. ويلاحظ في برنامج سوق عكاظ لهذا العام تميز الفعاليات التي تتضمن الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والتجارب الثقافية التي يبثها مثقفون بارزون من جميع أنحاء الوطن العربي.. لتتناول هذه الفعاليات الثقافية مختلف جوانب قضايا العصر، وتضيف للمشاركين تجربة غنية مليئة بالفوائد على مستوى الفكر والثقافة والمعلومات وبناء العلاقات الشخصية بين مختلف المشاركين، مما يعزز وينمي ويطور مستويات الفكر والثقافة والمعرفة في الوطن العربي.. ومع تكرار إقامة هذه الفعاليات سنوياً مع إطلالة سوق عكاظ كل عام تنمو المعارف وتتطور وتتجدد، حيث أصبح "عكاظ" منتدى سنويا يتميز بنوعية الفعاليات ونوعية المشاركين. كما أن الكم الهائل من المشاركين في سوق عكاظ كل عام يجعل من هذا الحضور المميز في عدده وفي نوعه وفي سعة الدائرة الجغرافية العربية، التي يأتي منها المشاركون؛ فرصة سانحة عن طريق الجلسات الجانبية للتعارف وتبادل الخبرات والتجارب مما يحقق إضافة نوعية وفائدة إضافية لتظاهرة السوق. ولمجاراة العصر ولأن الشباب يشكلون العمود الفقري لعصرنا فلم يغفل سوق عكاظ هذا الجانب، واستهدف في فعالياته برامج شبابية تمثلت في ندوات استشراف تطلعاتهم وإبداعاتهم تتضمن الحديث عن الاستراتيجية الوطنية، التي تحدد أُطر الجوانب التي تخدم الشباب وتكفل مشاركاتهم في كل ما يفيد وطنهم ومجتمعهم وأنفسهم، وذلك بتهيئة كل ما يكفل تفجير طاقاتهم واستثمارها في تحقيق ذلك. كما وتتضمن الفعاليات الحديث عن برامج منطقة مكة المكرمة لتحويل أفكار الشباب إلى مشاريع وآليات اشتراكهم في وضع استراتيجية المنطقة، بالإضافة إلى عرض نماذج من إنجازاتهم العلمية والأدبية. ولا تقف الفعاليات عند هذا الحد بل تتناول القضايا العصرية الملحة ومنها قضية مواقع التواصل الاجتماعي ما لها وما عليها، حتى يتم الكشف عن رؤى جديدة وفاعلة في كيفية التعامل مع مستجدات العصر وتطويعها للخدمة الإيجابية، وبيان سلبيات الانجراف وراء جانبها السلبي الذي يعود على مجتمعاتنا بما لا ينفعنا وما قد يكون فيه الضرر. ويناقش منتدى سوق عكاظ جوانب علمية عصرية منها على سبيل المثال الموضوع المثير عن "الجينات" ودورة في خدمة البشرية. وتضم جادة عكاظ العديد من العروض الحرفية والنماذج التراثية التي تكشف بوضوح تاريخنا العربي والإسلامي، ولا تغفل أهمية ذلك في تحقيق مستقبل يواكب العصر.

ويتميز سوق عكاظ بمئات المتطوعين والحرفيين إلى جانب المئات من المشاركين في الفعاليات والحضور المميز من المسؤولين والمثقفين والمهتمين. ليصبح "عكاظ" تظاهرة ذات مكانة مرموقة يحرص على المشاركة فيها وحضورها جمهور كبير يتزايد عاماً بعد آخر. وكلمة حق، فإن فكرة إحياء سوق عكاظ من قبل أمير منطقة مكة المكرمة تستحق التقدير لمردوداته الثقافية والفكرية والمعرفية التي يضيفها السوق إلى الوطن العربي عن طريق المشاركين فيه.