رغم مضي 8 سنوات على مغادرته منصبه، إلا أن وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الرشيد، لا زال يستحضر -في كل مناسبة يتاح له خلالها الحديث- هم التعليم، والأشخاص الذين سعوا لإعاقة إصلاح المؤسسة التعليمية وتعطيل تطويرها، عبر طعنهم في دين وأمانات من وصفهم بـ"المصلحين" الذين سعوا خلال حقبة مضت لصياغة مناهج تتطابق مع الغايات السامية والقيم الإسلامية الحقيقية.
الرشيد، الذي كان يتحدث في خميسية النصار المنعقدة في حوطة سدير، أكد سلامة المسار الذي تنتهجه المؤسسة التعليمية في المملكة، خاصة التعليم العام الذي يسبق التعليم الجامعي، مشيراً إلى أن كثيراً من الممارسين لمهنة التعليم المقدسة تغيب عنهم الأهداف الموجبة لإقامة هذه المؤسسة.
وشدد الرشيد على أن التعليم العام ليس من أهدافه، ولا يجوز أن يكون من وظيفته تخريج متخصصين في أي علم من العلوم، وإنما البدء في تعريفهم بهذه المجالات، مدللاً على ذلك أنه في المجال الديني، على سبيل المثال، فإن غاية ما تهدف إليه هذه المادة الدراسية هو أن تعلِّم الطالب الأحكام والمعارف الدينية الضرورية التي لا يستغني عن معرفتها أحد، والتي صاغها العلماء في عبارة (ما لا يسع المسلم جهله).
وأضاف أنه ليس من المفترض أن يكون طالب التعليم العام بعد إنهاء المرحلة الثانوية فقيهاً متبحراً في العلوم الشرعية، أو متخصصاً في آداب وتاريخ اللغة العربية وتطورها وبنائها وصرفها، وكذا في العلوم الطبيعية التي يدرس الطالب منها قدراً يجعله يقف على أهم قضاياها ومكتشفات البشرية ومخترعاتها، دون أن يكون متخصصاً في الكيمياء أوالفيزياء أو الرياضيات أو نحوها من العلوم.
وانتقد الرشيد الشطط الذي وقع من واضعي المناهج الدراسية في العقود الأخيرة؛ حيث أصبح المتخصصون في كل مادة من المواد يتنافسون على إقحام كل ما استطاعوا إقحامه من مفردات ومستجدات مادتهم، حتى وإن لم يكن لها علاقة بالكفايات المطلوبة في المجال الذي يؤلفون فيه، لافتاً إلى أنه في كثير من الأحيان ينسى واضعو المناهج ومؤلفو الكتب الدراسية المقررة أن محور التعليم هو الطالب الموجه له وما يحتاج إليه في حياته، ولو أنهم وضعوا أمام نواظرهم الغاية من التعليم، والمادة العلمية اللازمة لتحقيق ذلك، لجاءت الكتب الدراسية المقررة، وجاء معها أسلوب تعليمها، وتقويم الطلاب متناسباً مع هذه الغاية السامية.
وأضاف أن كثيراً مما نعلِّمه لطلابنا في مراحل التعليم العام أصبح مملاً لهم، لا يشعرون بالتجاوب معه، ولا الحاجة العلمية أوالعملية إليه، مما يدعوهم للتبرم مما يلقنونه من قبل معلميهم، وهو ما دفع البعض لكراهية الدراسة، بل وتركها أحياناً.
ونحا الرشيد باللائمة على المدرسة التي أقامت أسواراً حولها، وعكفت على مهمة ليست مهمتها، وركزت على المعلومة نظرياً أكثر من تركيزها على تطبيقاتها عملياً.
وأكد الرشيد أنه لن تتحقق غاية المؤسسة التربوية إلاّ حين يكون على رأس العملية التربوية التعليمية أناس نذروا حياتهم مخلصين لهذه المهمة الإنسانية الأولى، وشعروا بيقين في داخل أنفسهم أنها رسالة مقدسة، قبل أن تكون عملية وظيفية، وإنهم معلمون ومعلمات مهيؤون لهذه الرسالة على يقين بغايتها ومراميها، أناس دربوا أحسن تدريب على إنجاحها بأحسن السبل، وعرف المجتمع قيمتهم، وقدَّرهم حق تقديرهم، وأنزلهم أكرم المنازل التي تليق بهم.
وأنهى الرشيد حديثه بمقولة الرئيس السنغافوري للقضاة حين طالبوه بأن يجعل رواتبهم كرواتب المعلمين فأجابهم: كيف تطلبون مني أن أجعلكم مماثلين لمعلميكم، ومَن مكنوكم مما أنتم فيه، مشدداً على أنه لن تستقيم أحوال تعليمنا إلاّ إذا وجد هذا المعلم، ومعه وُجد عند المتعلم شوق عارم للتعلم لإدراكه حاجته الماسة إليه بحكم مناهج التعليم المناسبة واللائقة.