قبل سنوات، وحينما كان عمر "عكاظ" لا يتجاوز ثلاثة أعوام، أبدى الشاعر إبراهيم طالع الألمعي امتعاضه التهامي الشديد من بعض الأخطاء الإملائية في بعض الأبيات الشعرية الجاهلية المنحوتة على الصخور المنثورة على طرفي "الجادة"، فما كان من الروائي عبده خال، إلا أن أجابه ببروده المعتاد، ونكتته الحاضرة، قائلا: "يا أخي أنت ما تفهم، هذي أخطاء مقصودة لأن أصحاب الأبيات كانوا في جاهلية ولا درسوا نحو ولا إملاء مثلك"!
تذكرت هذه الطرفة وأنا أتصفح بعض مطبوعات "السوق"، إذ لم أجد ما بعد "سوى" منصوبا إلا في إحداها، ووجدت عجائب نحوية أخرى، كان من اليسير جدا تلافي بعضها، لتكون لغة المطبوعات على مستوى الجهد الكبير المبذول في "السوق" من جميع لجانه ورجاله، ومن الطائف كلها "أُنسا وناسا"، وعلى مستوى ريادة الفكرة وتقدميتها وعروبتها ووطنيتها وآمالها التي ليس لها حد.
ليس ما سبق هو المهم، وإنما المهم هو أنني كنت أسأل الشيخ "قوقل" عن بعض المعلومات المتعلقة بمهرجان سوق عكاظ، وفي أثناء البحث، وجدت ـ عبر السنوات ـ طوفانا من النقد المؤدلج لـ"عكاظ" ورجاله، وهي ـ في جلها ـ تشنيع لا نقد، واتهامات لا رؤى، وعمادها الأقوى هو أن "عكاظ" مفسدة وبدعة ووو... الخ.
ذهب بي الذهن إلى نظائر هذا التشنيع على كل المناسبات الثقافية الكبرى في بلادنا، من مثل: مهرجان الجنادرية، ومعرض الكتاب، وملتقى المثقفين، وغيرها من الفعاليات التي تهب حياتنا الثقافية حياتها، ولم أجد تفسيرا لهذه التشنيعات سوى التفسير الحركي؛ لأنني أعرف هذه المناسبات، وأدرك أنهها لا تحتوي على شيء مما ينكره المنكرون، أو ينتفض بسببه المحتسبون.
نعم، الحركيون اعتادوا على تشويه كل منجز ليست لهم فيه يد، أو كل منجز وطني لم يستطيعوا اختراقه، لا لخدمته، وإنما لخدمة أهداف الحركة، والحرص على تغلغلها في كل شيء، حتى في الهواء الذي يتنفسه عباد الله، والماء الذي يشربه الظامئون منهم.
القاعدة التي أصبح الكثيرون يعرفونها هي أن الحركيين والحزبيين لا يمكن أن يكونوا راضين عن أي فعل يضعهم ـ بقصد أو بدونه ـ في الهامش، وليس لهم ـ في هذه الحال ـ إلا التشنيع باسم الدين، وعندها تسير خلفهم العامة، وتتكرس الفكرة النمطية، ويصبح كل شيء يفعله غيرهم "فسادا"، وما ذاك إلا لأنهم يتوهمون أن الحياة تقصيهم عمدا، كما يفعلون هم مع الأحياء كلما تمكنوا من أمر.
برغم ذلك كله، تسير القافلة بثبات، ويتحول التشنيع الجاد والممنهج، إلى طرائف على ألسنة العارفين بأهداف أهله، وتبقى مناسباتنا الثقافية مرآة عاكسة للوطن والأهل.