عندما تجد في مجتمعك من لا تقف متفرجة وتحمل على عاتقها نشر قضية تمسها أولاً كما تمس غيرها، وعندما تجد في مجتمعك أمهات يلاحقن بإصرار وعزم وإرادة حديدية قضية إنسانية، وعندما تجد أنهن لم يتحولن فقط إلى ناشطات في السعي وراء حقوق أبنائهن، بل يستخدمن سبلاً عصرية في نشر الوعي من أجل أن يتحرك المجتمع ويساندهن، عندها لا يمكن أن تقف متفرجا، بل أمر مخجل أن تقف متفرجا أو حتى تكتفي بإرسال مجرد جملة مواساة أو اعتراض لتريح ضميرك، أو ربما لكي لا يقال إنك لم تتفاعل أو حتى يقال إنك تفاعلت، وأنت باستطاعتك أن تفعل أكثر من ذلك لقضايا تندرج عالميا ومحليا تحت بنود حقوق الإنسان... لقد أصبحنا اليوم نهتم بالهالة التي نغزلها بمواقف مسرحية - أحيانا كثيرة هزلية - حول شخصياتنا فنرتدي لها الأقنعة التي تحمينا من الاختراق الخارجي، جاهلين أننا مخترقون من الداخل أصلا، طالما أننا بحاجة أن نخفيه برتوش من الزينة!
وصلني نداء من إحدى الأمهات، كما أنني متأكدة من أنها أرسلته للعديد من الإعلاميين والمثقفين ومن تعتقد أن بإمكانهم فعل شيء إن هم تفاعلوا مع ندائها، طبعا لا أستطيع أن أحكم على الزملاء والزميلات في مجال الإعلام ممن وصلهم النداء ولا عن كيفية التحرك من قبلهم، ولكن بما أنه وصلني فأنا إذن مسؤولة عن تقديم المساعدة من خلال منبر "الوطن"، والتي ومن خلال خبرة شخصية مماثلة أتاحت منبرها لإيصال صوت حدث - بحمد الله - على إثره تفاعل إيجابي وفوري من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة بمعالي الوزير شخصيا.
وبما أنني مؤمنة تماما بأن الله سبحانه وتعالى، لم يعط هذه الأم القدرة والإرادة والتصميم إلا لأنه أراد لصوتها أن يكون صدى لصوت ابنها الذي لو أنه كان بإمكانه أن يتحدث إلينا لقال: "لا أريد شفقة.. أريد حقي"، لقد أراد لها الرحمن بطريقة أو بأخرى أن يصل صوتها وبإذنه سبحانه أن يتم التغير الذي تنشده، فهي لا تطلب شفقة أو تنتظر معونة، إنها تطالب بحق من حقوق ابنها وأبناء لآخرين، بأن يتم إنقاذ مركز الرعاية الشاملة الخاص، والذي تديره الجمعية الخيرية النسائية في مكة المكرمة والتابع طبعا لوزارة الشؤون الاجتماعية، هذا المركز تتم فيه العناية بأطفال التوحد وأطفال متلازمة داوون، والذي حدث أنه رغم اعتراض المختصات على تدني مستوى الرواتب؛ حيث يصل راتب الواحدة منهن إلى 2400 ريال شهريا دون رواتب إجازات أو أية إضافات أخرى من الحوافز، علما أن الدولة حددت المستوى الأدنى للرواتب بـ3000 ريال! وعليه وبعد تداولات كثيرة بين الموظفات والإدارة، قررت الموظفات البحث عن عمل في أماكن أخرى نظرا لما يمتلكنه من شهادات تخصصية وتدريب وخبرة، ولهذا أصبح المركز خاصة فرع طلبة متلازمة داوون يفتقر للمختصات فقرر إغلاق الفرع إلى إشعار آخر!
للموضوعية إنها أمور إدارية، فنحن لا نعلم حقيقة حجم التبرعات أو المساعدات التي تصل المركز، هذا بالإضافة إلى أننا لا نعلم حجم المساعدات والأعمال الخيرية التي بدورها تقوم بها الجمعية الخيرية، وبالتالي لا نستطيع أن نحكم هنا على إمكاناتها، ولكننا نعرف أن أهالي الأطفال يدفعون رسوماً دراسية عن أبنائهم لهذا المركز، هل يغطي التكاليف أم لا؟ لا ندري، لأن المركز ليس له موقع على النت أو حتى أنه ينشر بصورة دورية الحسابات لكي يطلع عليها المجتمع الحاضن ويبقى على بينة بحيث يدعم أو يحاسب، ولكن ما نعرفه تماما أن هنالك ضحية.. أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مواطنون لهم حق بأن يقدم له ما شملته بنود سياسة التعليم في الممكلة، وبنود التربية الخاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية.
من المؤلم حقا أن نسمع ونراقب افتتاح مراكز للتأهيل الشامل في بلدان كثيرة حول العالم، بعضها يعتبر من الدول الفقيرة، وفيها أفضل ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا والتقنيات والدراسات المختصة، بينما نتابع هنا إغلاق أحد المراكز، وكأننا نمتلك ما يكفي منها! الوقت هنا لا يسمح لنا بفتح مجالات للجدال أو تبادل الاتهامات، هنالك من يحتاج المساعدة... والآن، ويجب أن تتحرك الجهات المختصة للتعامل مع هذه القضية كي لا نحرم أبناء لنا من حقهم في الرعاية والتعليم، ليس لأنه لا يوجد الكثير في مناطق كثيرة حول الوطن ممن هم بحاجة إلى مثل هذه الخدمات، ولكن هذه القضية أمامنا والآن، وهذا إن دل على شيء يدل على احتياجنا لناشطين وناشطات مثل هذه الأم، يقومون على إلقاء الضوء على احتياجات مجتمعاتهم المحلية، طالما أننا لا نجد دائما جميع المعلومات من الجهات المختصة.
إذن لتنطلق أصوات تعلن عن هذه المعلومات وتقوم على الاستعانة بالمختصين لكي يتشارك الجميع في إيجاد الحلول، يجب ألا نرمي كل شيء على جهة واحدة لأن المسؤولية تخص الجميع، وبالتعاون نستطيع أن نصل إليها، أما إن استمرينا بإلقاء التهم فستلتهي كل جهة بالدفاع عن نفسها، وينشغل الجميع ولا نصل إلى أي تغيير! بالنهاية نحن نريد العنب الآن ولا نريد أن نتعارك مع الناطور... محاسبة الناطور قضية أخرى لها وقت وأسلوب آخر.