جميع الاستطلاعات العالمية أثبتت أن هنالك نسبة كبيرة من شعوب العالم التي تعتقد بأن الأغذية المعدلة وراثياً خطر على الصحة. هذه النسبة فاقت 85% في السويد و66% في أستراليا ونيوزيلندا و60% في النمسا و57% في ألمانيا و48% في هولندا و39% في بريطانيا و38% في فرنسا، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 21% في أميركا وكندا والبرازيل. ونظراً لأن جميع الدراسات العلمية الموثقة دولياً أكدت بما لا يدعو إلى الشك أن استهلاك الأغذية المعدلة وراثياً يؤدي إلى اختلال الأجهزة العضوية في الكائنات الحية، قام فريق التفاوض السعودي على مدى 10 سنوات بخوض سلسلة من المفاوضات الشاقة مع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لإقناعهم بخطورة هذه المنتجات. ونجح الفريق بفرض حظر على دخول هذه المنتجات إلى أسواقنا السعودية، مع إلزام كافة الدول بضرورة وضع الملصقات الخاصة على كافة منتجاتها الغذائية لتوضح نسبة تلوثها بالتعديل الوراثي، وذلك طبقاً لقرار مجلس الوزراء السعودي رقم 85 وتاريخ 1 /4 /1412، النابع من تطبيق أحكام المادتين (2،5) من اتفاقية تدابير الصحة والصحة النباتية، والمادة (2) من اتفاقية العوائق الفنية أمام التجارة، والمواد (3،6،20) من اتفاقية الجات في منظمة التجارة العالمية.

الموقف السعودي جاء معززاً لوثيقة سلامة الأغذية، الناتجة عن اتفاق 130 دولة مجتمعة في مدينة "مونتريال" بكندا، والصادرة بتاريخ 29 يناير 2000، حيث نصت الوثيقة في الفقرة (8) من المادة (11) على أن: "عدم توافر معلومات علمية محددة وموثقة بشأن الأضرار التي قد تنتج عن استخدام أو تناول المنتجات الغذائية المعدَّلة وراثياً لن يمنع الدولة أو يحد من سلطاتها في اتخاذ قرارات وقائية بشأن واردتها من هذه الكائنات وبشكل يمنع أو يخفف وطأة هذه الأضرار المحتملة. لذا يتوجب على الدول المصدرة لهذه المنتجات ضرورة تعريفها وتوفير المعلومات اللازمة لتوضيح محتواها وغايات استخدامها كغذاء أو أعلاف أو كمستلزمات إنتاج". وأكدت الوثيقة أيضاً على: "ضرورة التقيد باتفاقية تقديم المعلومات مسبقاً واتفاقية الفحص قبل الشحن للحصول على الإذن المسبق من الدولة المستوردة لهذه المنتجات".

منذ اكتشاف الهندسة الوراثية في أوائل عام 1983، قام العلماء بتعديل وراثي للمنتجات الزراعية من خلال حقنها بحامض نووي لميكروب نباتي، مما تسبب في تأخير نضوجها والتحكم في مواسم زراعتها وحصادها وتغيير لونها وحجمها وتكاثر إنتاجها. إلا أن العلماء تمادوا خلال عام 1999 في إنتاج نوع من النباتات وتعديلها من خلال تلقيحها بحامض نووي من أصل حيواني، مما زاد علم التقنية الحيوية تعقيداً وأضاف قلقاً بالغاً على دعاة حماية البيئة ومنظمات الأغذية والصحة العالمية. وتخوفاً من انسياق العالم في ركب هذا التطـور العلمي المفاجئ والمتسارع، وتحسباً للمخاطر التي قد لا تدرك إلا بعد زمن طويل، أصدرت مجموعة الدول الثمانية الكبار في بيانها الختامي الصادر في "أوكيناوا" باليابان بتاريخ 23 يوليو 2000، قراراً حازماً بضرورة تفويض الهيئة العالمية المسؤولة عن صحة الغذاء وطرق إنتاجه "كوديكس" وتكوين لجنة من حكومات هذه الدول لدراسة موضـوع استخدام الهندسة الوراثية وأثرها على صحـة الإنسان والحيـوان والنبات، وتقديم تقريرها في مدة أقصاها نهاية عام 2003. وأكدت الفقرة (56) من البيان الختامي على ضرورة وصول اللجنة إلى نتائج حاسمة ومقنعة ومدعمة علمياً لتكون أساساً في التطبيق الدولي دون تمييز في حال التأكد من صحة أو ضرر هذه المنتجات على الكائنات الحية.

تضارب الحقائق العلمية بين مؤيد للأغذية المعدلة وراثياً ومعارض لها حدا بالعلماء في مختلف بقاع العالم إلى تقييم نتائج استخداماتها وتناولها. بادرت جامعة "كورنيل" الأميركية في نشر نتائج دراستها بتاريخ 20 مايو 1999 في مجلة "نيتشر" العريقة، لتؤكد فيها مقتل الفراشات الطبيعية بسبب تسممها من تناول الأطعمة الملاصقة لمحاصيل الذرة المعالجة وراثياً. وتبعتها جامعة "أيوا" الأميركية في إصدار نتائج دراستها العلمية المنفردة بتاريخ 19 سبتمبر 1999، لتؤكد أيضاً أن نسبة وفيات الفراشات الطبيعية التي تتغذى على طعامها الملاصق لمحاصيل الذرة المعالجة وراثياً تزيد بنسبة 70% عن الوفيات في الفراشات التي تتغذى في المحاصيل الزراعية الطبيعية. وفي الاتحاد الأوروبي أظهرت نتائج 19 دراسة علمية أن الأغذية المعدلة وراثياً كان لها أبلغ الأثر على الكيمياء الحيوية والأجهزة الأساسية للكائنات الحية التي تناولت هذه الأغذية. في الذكور كانت الكلى الأكثر تضرراً بنسبة 43%، يليها الكبد في الإناث بنسبة 30%.

هذه النتائج حدت بمؤتمر سلامة الأغذية المنعقد في الأمم المتحدة إلى إصدار بيان في 23 يوليو 2001، يؤكد فيه على ضرورة مراعاة السلامة في الأغذية المعدَّلة وراثياً. كما اتفقت دول الاتحاد الأوروبي بتاريخ 21 أكتوبر 2001 على تطبيق عدد من الأحكام الصارمة، تلزم كافة الدول بوضع بطاقات لاصقة تحتوي على معلومات واضحة لمكونات منتجاتها الزراعية وإلزام المؤسسات التموينية والمطاعم العامة والخاصة تحديد هذه المنتجات وتوفير المعلومات بشأنها حتى إذا كانت تحتوي على أقل من 1% من المواد المعدلة وراثياً. كما وضع الاتحاد الأوروبي غرامات قاسية على مستخدمي البيانات المغلوطة والموضحة في البطاقات الملصقة على صناديق الأغذية ومعلباتها.

من الضروري أن نقوم باستخدام مواقفنا الواضحة والمحددة في وثائق انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية للاستفادة من نتائجها وقواعدها وأحكامها التي حققها الفريق التفاوضي السعودي بشق الأنفس لصالحنا أولاً وأخيراً.