"أتوق إلى يوم العيد، وفرحتي ليست بسببه فحسب، ولكن لأنني سأتمكن من الاستمتاع به مع الحاضرة الغائبة "أمي"، ففي بقية أيام العام أتلهف للخروج معها للتنزه، وكلما أبديت هذه الرغبة، تبادرني بعبارات مكرورة هي "أنا مشغولة، ليس لدي مجال للزيارات العائلية، اذهبوا مع السائق للتنزه، وقتي لا يسمح"، حتى في أيام الإجازة تنشغل عنا بالصديقات.. هذا ما قالته "أميرة" ابنة الثالثة عشرة، وهي تصف مدى انشغال أمها عنها لدرجة أن الجلوس معها ولو لدقائق أصبح ـ وفقا لتعبيرها ـ "أمنية". وتضيف "لا أعلم متى ستدرك أمي مدى لهفتي لقضاء وقت معها؟ لقد سبب لي هذا الأمر عقدة نفسية، حتى إنني قررت ألا أكمل دراستي، وأن أتخذ من خالتي أنموذجا لي، وهي التي تقضي أغلب وقتها مع أطفالها، ولا تخرج إلا برفقتهم، وعلى النقيض من ذلك والدتي التي لطالما تركتنا وحدنا، ونحن في أمس الحاجة إليها، وعذرها الوحيد أنها تعمل لأجلنا".
تقول أميرة واصفة جزءا آخر من معاناتها "الذي يضاعف المشكلة أن والدي أيضا منهمك في عمله، حتى الوقت الذي يكون فيه بالمنزل يقضيه في تبادل صفقاته التجارية عن طريق الهاتف والإنترنت"
وتابعت بحزن "رفيقاتي ينتظرن العطلة الأسبوعية بفارغ الصبر لتبادل الزيارات العائلية، ويخرجن برفقة الأهل، بينما أنا وإخوتي الصغار نقبع أسابيع طويلة في سجن المنزل، والسبب هو العمل الذي لا ينتهي".. وهكذا ينشغل الأب والأم في أمور شتى بالحياة، ويهملان الدور الطبيعي لهما في حياة الأبناء، والذي يتمثل في المتابعة، والحوار، والمشاركة، والرفقة المشتركة.. فما أثر ذلك على الأبناء وتنشئتهم المستقبلية؟ وما خطورة تلك الغربة الإجبارية، وما تحمله من أعباء نفسية عليهم؟
وعلى النقيض تحرص الممرضة هيا السرحاني على قضاء أطول وقت مع أطفالها، خاصة في أيام العطل أو الإجازات التي تحصل عليها، حيث تقول: "على الرغم من طبيعة عملي الذي ينقسم إلى نوبات متغيرة، إلا أنني أقدم دائما مصلحة أطفالي، وألبي احتياجاتهم، وخاصة المعنوية والتي قد تغفو عنها بعض الأمهات العاملات، معتقدات أن المادة هي المتطلب الوحيد للحياة الهانئة لدى الأسرة"، مشيرة إلى أن انشغال الآباء عن الأبناء إحدى المشاكل الأساسية التي تعاني منها معظم الأسر.
ومن جانبها أكدت أخصائية الإرشاد النفسي في جامعة الجوف، مريم العنزي، أن "مشاركة الأبوين أبناءهم الأوقات، والأفكار، والاهتمامات من أهم المقومات للشعور بالأمن، والاستقرار النفسي، ويتم ذلك أيضا بالحرص على الخروج معهم من حين لآخر، وخاصة في الإجازات الأسبوعية، سواء للتنزه أو لزيارة الأهل والأقارب،" مشيرة إلى أن الأجواء العائلية تشيع الدفء في العلاقات الإنسانية، وتساهم في تحقيق سعادة الأسرة. وأضافت أن الأبوين وخاصة الأم مصدر القوة والاطمئنان النفسي الذي يشعر به الأبناء في تلك اللحظات، وغيابهما يفقد الأبناء مرتكزا مهما في علاقاتهم الاجتماعية.
وترى أخصائية علم الاجتماع في تعليم القريات، عنود السالمي، أن حضور الآباء في حياة الأطفال يجب أن يكون من الأولويات الهامة التي تؤخذ بعين الاعتبار. وأكدت على ضرورة تخصيص وقت للأطفال، بل لجميع أفراد الأسرة، مشيرة إلى أن الأبناء في مختلف الأعمار بحاجة إلى الشعور بوجود آبائهم بجانبهم، خاصة في مرحلة المراهقة التي تزداد فيها الحاجة إلى النصح والتوجيه.