برغم ما تسببت فيه الأمطار الغزيرة التـي شهدتها محافظات الباحة خلال الأيام الماضـية من أضـرار للمـمتلكات والطرق إلا أنها أعادت الحياة للمدرجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة، والتي كادت أن تندثر بعد انخرط الأبناء والأحفاد في المهن الحديثة والسفر للمدن الرئيسة، وقبل كل ذلك قلت الأمطار.

وفي هذا السياق يقول على الزهراني "في العـقد السادس من عمره": إن المدرجات الزراعية كانت وما زالت الوسيلة الأولى للاستفادة من مياه الأمطار واستصلاح الأراضي الزراعية، مشيراً إلى أنه تم بناؤها من قبل الأهالي مـستغلين التضاريس الجبلية والانـحدارات الـشديدة التي تقع عليها الكثير من الأراضي بالمنطقة، وأضاف قائـلاً " كان أبناء القرية الواحـدة يتنافسـون في بنائها وصيانتها ليقتاتوا من محاصيلها الزراعية المختلفة، وعادة ما تكون المدرجات الزراعية متوسطة الارتفاع؛ حيث تتفاوت أعداد أراضيها أو ما يعرف بـ "الركيب" من خمسة إلى عشرة أراض تكون فوق بعضها البعض، ويصل ارتفاع الواحدة عن الأخرى من نصف المتر إلى المترين والنصف تقريباً، ويكون أسفلها ما يسمى بـ "الجلة" التي تـستقبل المـياه الـهابطة من المدرجات الزائدة عـن حاجتها لتقوم بتصريفها.

ويشير عطية الزهراني إلى أن البناء يقام في المناطق التي توجد بها رسوبيات طينية وتعمل الحواجز على رفع كفاءتها التجميعية لتكوين مدرجات زراعية وبعد الانتهاء من المدرج الأول يبدأ بالمدرج الثاني، ويضيف أن المدرجات الزراعية الجميلة بالمنطقة هي ثمرة جهود إنسانية سالفة، وتمثل نمطا حياتيا للمجتمع السكاني في الماضي، داعياً إلى المحافظة عليها وتعزيز القيم الاقتصادية والجمالية الكامنة فيها، موضحاً أنه ما زال الأهالي يحافظون عليها لأنها مصدر أساسي للدخل في المنطقة، وتساعد على تحقيق اكتفاء غذائي ذاتي على مستوى المنطقة رغم أن زراعتها في الوقت الحاضر واستثمارها ليس في المستوى المطلوب، حيث أهمل الكثير منها وأقيمت بها مبان سكنية واستثمارية، إضافة إلى انصراف الأهالي إلى مهن وأعمال أخرى غير الزراعة كالتجارة والالتحاق بالوظائف وغيرها من سبل العيش.

ويرى أستاذ علوم الغابات بجامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم محمد عارف أنه يمكن استثمار المدرجات الزراعية قائلاً "استطاع سكان الباحة الذين يشتغلون بالزراعة من التكيف مع طبيعة الأرض ومع مصادر المياه المتاحة، حيث شيدوا المدرجات الزراعية أو المصاطب للاستفادة من مياه الأمطار التي تهطل على المناطق الجبلية بمعدلات عالية، تركزت الزراعة في المنطقة على زراعة الحبوب وكذلك المحاصيل البستانية " السفرجل واللوز والتين والتفاح والرمان والعنب". وأضاف أنه ونظرا للهجرة المتزايدة من سكان المنطقة إلى المدن الكبيرة وترك مزاولة الزراعة في هذه المدرجات وتحول كثير من الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية نتيجة للتوسـع العـمراني في المنطقة، بالإضافة إلى تدهور المدرجات بفعل التعرية والسريان الجارف للأمطار وفتح الطرق، فقدت المدرجات دورها الحيوي والحفاظ على تربتها الجيدة. وأكد أن الاهتمام بهذه المدرجات وإعادة بنائها واستغلالها سيعود بها كما كانت في السابق منتجة وحافظة للمياه، وفي حال دعم بناء هذه المدرجات من البنك الزراعي واستثمارها من قبل مستثمر بزراعتها بأشجار مثمرة وبطرق ري حديثة ستكون ذات عائد اقتصادي جيد لأي مستثمر وخاصة في فصل الصيف.

وحذر الـباحث في التنـوع البـيولوجي عبدالرحـمن مـحمد الغامدي من فقد مدرجات المنطقة الزراعية وزيادة نسبة التصحر. وأشار إلى أن المدرجات الزراعية كانت يوما ما معيارا لثروات الرجال، وكان التنافس بين أبناء القرية الواحدة ينطلق من اهتمامهم بصيانتها وإنتاجها، حيث عاشت أجيال على خيراتها. وقال الغامدي إن المدرجات الزراعية تقلل من سرعة جريان السـيول وتعمل كسـدود أرضـية تخـتزن المياه وتغذي بها الآبار وهي غنية بالمعادن وحبـيبات الـطين مما يمكنها من توفير إنتـاجية عالية، حيـث إن العديد منها يمكن أن ينتج المحاصيل دون ري أو ما كان يسمى بـ "الـعثري" ويـقصد به المواقع التي تعـتمد على سـقوط الأمطار في الري فقط، إضافة إلى "المـسقوي" وهي التـي تـسهم الآبار في ريها. وأشار إلى أن تكاليف المحافظة على التربة من التصحر أقل بكثير من تكاليف إعادة تأهيلها، لذلك فإن ما هو مطـلوب من وزارة الزراعة هو تقييـم الأضـرار الـناتجة عن تصـحر وتـهدم المدرـجات الزراعـية ودعم البـحوث الـرامية إلى سـبل المحـافظة علـيها ودعـم وتشـجيع الـتنمية الريـفيـة بـشكل عام.