تخيل لو كانت جميع وسائل الإعلام التي يشاهدها الناس في دولة ما هي وسائل إعلام أجنبية وتحت سيطرة دول غربية، ألن يكون هذا وضعا مثيرا للقلق والنقاش الجماهيري، ومدعاة لخطوات ضخمة لمعالجة المشكلة وإيجاد وسائل إعلام محلية ناجحة؟
صدق أو لا تصدق، هذا الافتراض في طريقه للحصول خلال سنوات قليلة فقط قد لا تزيد على سبع سنوات ما لم يحصل تغيير ما. هناك مؤشرات إحصائية قوية من الصعب التشكيك فيها بأن الشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو حسب الطلب سيكون لها وضع السيطرة والتأثير وجذب نسبة هامة من السوق الإعلانية، مقارنة بكل وسائل الإعلام الأخرى مع حلول عام 2020. كل مواقع الإنترنت وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات ستكون عالة على الشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو حسب الطلب، وسيصعب على أي منها تحقيق أي انتشار أو المضي في وظائفها الطبيعية بدون الاعتماد على الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها طبعا فيسبوك وتويتر وجوجل بلس بالإضافة لموقع يوتيوب (تحدثت عن تفاصيل ذلك في عدة مقالات سابقة).
هذه المشكلة تمثل قلقا عالميا لدى كثير من الدول التي تخاف من السيطرة الأميركية على الشبكات الاجتماعية من خلال شركاتها الكبرى. ومع تسرب الوثائق عن برنامج بريسم وغيره عبر مستشار وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، صار هذا القلق واقعا، فأميركا تستغل هذه السيطرة الإلكترونية لتحقيق سيطرة عالمية من خلال التجسس على أدق المعلومات الشخصية والتجارية والسياسية لدول العالم الأخرى. الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الموبايل تحولت إلى ثغرات في الأمن القومي للدول، وصار السؤال المحير والصعب كيف يمكن فعلا معالجة هذه الثغرات دون دفع عقارب الساعة إلى الوراء ومحاربة التطور الحضاري السريع في ظل ثورة المعلومات.
أحد أهم الحلول المطروحة هو تأسيس الشبكات الاجتماعية المحلية وتطبيقات الموبايل المحلية، وتشجيع الاستثمار والمبادرات في هذا المجال، ودعمها حكوميا بميزانيات ضخمة تمكن هذه الشبكات من المنافسة مع الشبكات العالمية في تحقيق احتياجات أبناء الدولة أو الأمة على الأقل.
هذا الحل طبقته الصين بشكل مميز، ولو نظرت إلى الإحصاءات لوجدت أن أكبر الشبكات الاجتماعية بالترتيب هي فيسبوك، جوجل بلس، يوتيوب، تويتر، ثم بعد ذلك خمس شبكات اجتماعية صينية، ثم موقع لنكد إن، ثم بعد ذلك أيضا اثنتان من الشبكات الاجتماعية الصينية. هذا يعني بوضوح أن الصين لديها استراتيجية تعطيها استقلالية معلوماتية وإعلامية في العصر الجديد في مواجهة الهيمنة الرقمية الأميركية.
كوريا الجنوبية حققت شيئا مماثلا من خلال شبكتها الاجتماعية الشهيرة Cyworld والتي يبلغ عدد أعضائها 24 مليون عضو، وفي الهند عدد من الشبكات الاجتماعية الضخمة التي تكاد تستطيع منافسة الشبكات الكبرى، وفي إيران هناك شبكة cloob.com التي تقوم بأداء مميز كذلك.
في كثير من دول العالم تتولى شركات الاتصالات تأسيس الشبكات الاجتماعية، من جهة يأتي ذلك كخدمة منها للمجتمع بسبب ضخامة شركات الاتصالات، ومن جهة أخرى لأن لديها البنية التحتية والارتباط بالجمهور، وتستطيع تحقيق الاستفادة المالية من هذه الشبكات مع ربطها بخدماتها. في النرويج مثلا، تشترط شبكة biip.no وضع رقم موبايل نرويجي حتى يمكنك أن تكون عضوا في تلك الشبكة، مما يعني أن تكون شخصا نرويجيا أو مقيما في النرويج أو على الأقل ترتادها بشكل مستمر.
هل يمكن فعلا لشبكة اجتماعية محلية منافسة الشبكات العالمية؟
الجواب لا، ونعم. لا لأن تلك الشبكات مثلت علامات فارقة في نهضة التكنولوجيا في العالم، وأميركا وحدها هي التي يمكنها إنجاب مثل هذه الشركات (لأسباب كثيرة)، ولأنها صارت نسيجا عالميا يربط الناس في كل مكان. ونعم لأنه من المعقول جدا أن يشترك الشخص في أكثر من شبكة، ولأن الشبكة المحلية تقدم للمستخدم ربطا بالأحداث والشخصيات المحلية وبمجتمعه من حوله، بحيث تصبح تلك الشبكات أمرا أساسيا واقعا في حياته.
هل يمكن الاستغناء عن فكرة الشبكات الاجتماعية المحلية؟
في رأيي لا، لا يمكن، لا بد للأمة من شبكاتها المحلية، حتى تملك شيئا من استقلالها، وحتى لا تفقد سوقها الإعلاني للشبكات العالمية. كل المؤشرات (والتي يصعب سردها هنا) تؤكد كما قلت سابقا أن النمو السريع للشبكات الاجتماعية سيجعلها محورا أساسيا في حياة الناس خلال سنوات قليلة فقط.
باختصار، امتلاك شبكات اجتماعية محلية مميزة هو الطريق الوحيد للتحرر مما يمكنني أن أسميه بـ"الاستعمار الإلكتروني"..!