كنت وما زلت أترنح في قناعتي حول إمكانية تحقيق اتحاد عربي أوخليجي، وبين كون هذا الاتحاد هو مجرد حلم جميل صعب المنال، خصوصا في ظل أجواء التخندق والتحزب والمصالح المتناقضة بين الدول، إلا أني في الوقت ذاته، أرى أن الحديث عن هذا الحلم القابل للتحقق، من أهم العوامل المساعدة على فك الاحتقان العربي، وزرع بذرة أمل في الأجيال القادمة التواقة للخروج ببلادها من حالة التخلف التقني والعلمي والفكري لعالم أكثر تقدما وريادة.

أكملت يوم أمس الشهر الأول من رحلتي الأوروبية التي تنقلت خلالها بين ثماني دول وأكثر من 17 مدينة، ما بين شمالها القارس البرودة وجنوبها المفعم بالحرارة، وربما شيء من الرطوبة، وفي كل مرة أتجاوز فيها حدود دولتين أقف لأتأمل كيف تبدأ الاختلافات تظهر بين هذا الشعب وذاك، مع بقاء روح أوروبا بادية على كل ما يحيط بالمكان والزمان.

عندما نطالب باتحاد خليجي، فإننا من أجل تحقيق ذلك لا نتوقع أن تحل أولا جميع المشاكل العالقة بين الدول، ولا أن يؤدي ذلك لأن تطغى دولة على أخرى، أوتلغى أسس سياسية دستورية لدولة معينة، لتحل محلها أسس حكم جديدة، فالخلافات الرسمية والشعبية في أوروبا ما زالت قائمة، والتناقض والصدام بين مكونات الدولة الواحدة نجدهما لم يتمكنا من التغلب على السياسة الداخلية لبعض الدول، كما هوالحال في بلجيكا والمتمثل في الخلافات القائمة بين المتحدثين بالفرنسية والمتحدثين بالهولندية، كما أن العلاقة المتوترة الدائمة بين فرنسا وألمانيا لم تجعل من الاتحاد الأوروبي إلا أقوى وأكثر تماسكا وقدرة على لعب دور عالمي مؤثر.

لنفهم لماذا اتحدت أوروبا، ولم نتمكن بعد نحن من الاتحاد، يتحتم أن نفهم أن الأوروبيين اتحدوا لأجل أن يصبحوا أقوى، رغم خلافاتهم، بينما اعتقدنا نحن أن الاتحاد لا يأتي إلا بعد حل الخلافات، وهوالأمر الذي لا يتحقق؛ فالدول كما الشعوب لا يمكن اختزالها وتوحيد آرائها حول أمر واحد بشكل إجماعي، لأن للناس فيما يعشقون مذاهب، والسياسة وجه آخر لحب الإنسان لنفسه ومجتمعه.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل حقا يسعى الساعون لتحقيق اتحاد عربي أوخليجي وأنهم يجهلون مكونات التجربة الأوروبية؟ أم أن الاتحاد خلق ليبقى حلما رومانسيا جميلا ندغدغ به شعور العامة ونشعل به عاطفة القومية؟

اتحادنا حاجة وليس ترفا. أوروبا اقتتلت لتصل إلى هذه النتيجة، فهل نحتاج كارثة لنتحد؟

أترك لكم الإجابة.