حتى يوم الجمعة 30 أغسطس، كان قادة العالم وأعضاء الكونجرس الأميركي وموظفو مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض يتوقعون أن يأمر الرئيس باراك أوباما، بتنفيذ ضربات ضد أهداف تخص الحكومة السورية في عطلة أسبوع يوم العمال. عوضا عن ذلك، دعا الرئيس أوباما في آخر لحظة إلى مؤتمر صحفي في حديقة البيت الأبيض بعد ظهر يوم السبت، 31 أغسطس، للإعلان عن أنه قرر تأجيل موعد الضربة العسكرية ضد سورية حتى يعطي فرصة للكونجرس الأميركي للعودة إلى واشنطن لمناقشة والتصويت على قرار يعطي الرئيس تفويضا للقيام بعمل عسكري.

وراء هذا القرار بتأجيل العمل العسكري كان هناك تمرد شعبي، وفي الكونجرس كان عدد من المحللين قد تجاهلوه والذي كانت أجهزة الإعلام قد قللت من أهميته. رسالة بعثها عضو الكونجرس ريجل سكوت، وهو من الحزب الجمهوري من ولاية فرجينيا، حملت تواقيع 140 عضوا في الكونجرس، من كلا الحزبين، طالبت أن يتشاور أوباما مع الكونجرس قبل القيام بأي عمل عسكري. رسالة مشابهة بادرت بها عضو الكونجرس باربارا لي، وهي من الحزب الديموقراطي من كاليفورنيا، كان عليه 60 توقيعاً، جميعهم من الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس أوباما.

ومع أن هذا التغيير في الخطط فاجأ كثيرا من الناس، لم تكن تصرفات الرئيس مناسبة فقط – لكنها كانت مطلوبة أيضا وفق الدستور الأميركي ووفق قرار سلطات الحرب الذي صدر عام 1973. كلا المادتين، القسم 8 بند 11 من الدستور الفيدرالي وقرار سلطات الحرب، تعطيان الكونجرس الأميركي السلطة الحصرية لإعلان الحرب. منذ الحرب الكورية في الخمسينيات وحرب فيتنام في الستينيات من القرن العشرين، كان الرؤساء الأميركيون ينتهكون هذه المبادئ الدستورية المقدسة من خلال إعطاء أوامر بالقيام بعمليات عسكرية دون الحصول على موافقة الكونجرس. الرئيس أوباما نفسه أدخل أميركا في حرب في ليبيا في 2011 دون الحصول على موافقة الكونجرس.

لكن قرار الحرب في ليبيا، خاصة بعد قتل السفير كريس ستيفنز، وثلاثة أميركيين آخرين في بنغازي في 11 سبتمبر 2011، أزعج فيما بعد الرئيس أوباما. في الواقع، منذ مقتل السفير ستيفنز، تحدث بعض أعضاء الكونجرس عن استخدام إجراء آخر من الدستور الأميركي ضد أوباما – وهو الذي يدعو للقيام بإجراءات عزل الرئيس - إذا ذهب الرئيس إلى الحرب دون الحصول على موافقة الكونجرس.

ربما كانت ردة الفعل على الحرب على ليبيا في 2011 هي التي جعلت الرئيس أوباما يقرر العودة هذه المرة إلى نص وروح الدستور الأميركي.

جيمس ماديسون، أحد مهندسي الدستور الأميركي لعام 1787، كتب كثيرا عن أهمية إعطاء الكونجرس السلطة الحصرية لإعلان الحرب. هو أراد أن يجعل قرار الذهاب إلى الحرب صعباً قدر الإمكان.

خلال حملته في الانتخابات الرئاسية في 2007 - 2008، أعلن الرئيس أوباما، وهو أستاذ سابق في القانون الدستوري في كلية الحقوق في جامعة شيكاغو: "الرئيس ليست لديه سلطة وفقا للدستور بالمصادقة بشكل أحادي على هجوم عسكري في وضع لا يتطلب وقف تهديد حقيقي أو وشيك ضد البلد".

لغة الدستور الأميركي واضحة ومحددة تماما. المادة 1، القسم 8، الفقرة 11 تقول "إن الكونجرس لديه السلطة بإعلان الحرب، إعطاء رسائل الانطلاق والانتقام، ووضع الأنظمة المتعلقة بالاستيلاء على الأرض والماء".

الرئيس أوباما كان مدفوعا باعتبارات سياسية للعودة إلى المبادئ الدستورية التي كان تعلمها في يوم من الأيام في الجامعة قبل إطلاق مسيرته السياسية. كما تلقى تحذيرات من كبير مستشاريه العسكريين، الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس الأركان العامة المشتركة، بأن الولايات المتحدة قد تجر إلى صراع أوسع وأطول في سورية حتى لو كانت الضربات الأميركية محدودة. في مثل هذه الظروف، سيحتاج الرئيس بشكل عاجل إلى دعم الكونجرس للاستمرار في تصعيد الصراع، إذا كانت هناك حاجة لذلك.

الكونجرس في الولايات المتحدة الأميركية سيعود من إجازته لشهر أغسطس في 9 سبتمبر. قادة كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ قاموا بالفعل بوضع جدول من أجل نقاش كامل قبل التصويت على قرار، كتبه البيت الأبيض، يفوض باستخدام القوة العسكرية ضد سورية. نقاش مماثل وتصويت في مجلس العموم البريطاني في الأسبوع الماضي أدى إلى نتيجة مفاجئة برفض مشاركة بريطانيا في العمل العسكري ضد سورية. رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، كان قد تلقى تأكيدات بأن مجلس العموم البريطاني سوف يمنحه التفويض بالذهاب إلى الحرب. ولكن ثبت فيما بعد أنه كان مخطئا. الرئيس باراك أوباما يواجه شكوكا مشابهة حول هذا الأمر. وعلى أي حال، استطاع أوباما أن يتجنب احتمال التعرض لإجراءات العزل، والتي كان يمكن أن تكون مشكلة أكثر جدية وخطورة بالنسبة له، لو أنه ذهب إلى الحرب دون موافقة الكونجرس.

إن من المفارقات أن آخر مرة خسر فيها رئيس وزراء بريطاني تصويتاً في البرلمان البريطاني حول قضية الحصول على تفويض بالحرب كانت في عام 1782. في ذلك الوقت، البرلمان البريطاني، الذي كان قد تعب من ست سنوات من حرب مكلفة وعقيمة في أميركا الشمالية، رفض تمويل أي أعمال عسكرية إضافية ضد الثورة الأميركية.