إقليم ظفار؛ الإقليم الجنوبي لسلطنة عمان، والملقب بأرض اللبان له قصة سياسية طويلة في التاريخ العماني العريق، أثبت بها ومنذ السبعينيات ـ 1976م ـ أنه صمام أمان وحدة واستقرار عمان السلطنة والسلطان.. وللإقليم نفسه قصص تاريخية قديمة، بدأت منذ مبادرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تشير الروايات لأهل عمان بالدعوة إلى الله في العام السادس من الهجرة، بعد صلح الحديبية، ثم مراسلاته ـ صلوات ربي عليه ـ التي أثمرت عن دخولهم طواعية في الإسلام، والظفر منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدعوة خالدة: "رحم الله أهل الغبيراء ـ أهل عمان ـ آمنوا بي ولم يروني"، ثم نيل توثيق خليفته الصديق ـ رضي الله عنه ـ في خطبة خاصة شهد لهم بها على حسن أخلاقهم، وكرم وفادتهم، وحسن إسلامهم: "معاشر أهل عمان؛ أسلمتم طوعًا، ولم يطأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ساحتكم بخف ولا حافر، ولم تعصوه كما عصاه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة، ولا تشتت شمل، فجمع الله على الخير شملكم.. أي فضل أبر من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم.. لست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم، ولا أن ترجعوا عن دينكم"..
يتبع جميع أهل ظفار المذهب السني، بخلاف بقية مناطق شمال عمان، والحقيقة أن اختلاف المذاهب في عمان أمر لا يشكل حجر عثرة في مسيرة الإنسان العماني أيًا كانت مكانته، وأيًا كان مكانه؛ فعلى سبيل المثال كان السلطان السيد سعيد بن تيمور بن فيصل إباضي المذهب، وتزوج بالسيدة ميزون بنت أحمد المعشني التي كانت تتعبد ربها وفق المذهب السني، والشافعي تحديدا، ولم يمنعهما الاختلاف المذهبي من أن يتفقا وينجبا صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم في مدينة صلالة بمحافظة ظفار.. التنوع العماني رأيته آخر ما رأيته مساء الخميس الماضي، عندما جمع معالي السيد يوسف بن علوي بن عبدالله آل إبراهيم فدعق، الوزير المشهور مجموعة من العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة يحتفون معه بما وفقه الله إليه من بناء لجامع سماه جامع آل البيت.. والحقيقة وكمتخصص أغبط معاليه على التسمية، حيث تضمنت مفهوم منطوق (مفهوم اللقب) الذي ذكره جمهور الأصوليين في كتبهم، وبينوا خلال ذكرهم له؛ أن اللقب ليس بحجة، ونصوا كما ذكره الفخر الرازي في كتابه المشهور: (المحصول في علم أصول الفقه) على أن "الأمر أو الخبر إذا قيد بالاسم فإنه لا يدل على نفي ما عداه".. وقالوا لو قال قائل: "زيد أكل، فإن هذا لا يدل على أن عَمرا لم يأكل".. ومنه يُعلم أن التسمية المذكورة ليست لنفي غيرهم مطلقًا، والإشارة إليهم إنما هي لبيان فضلهم الذي لا يشك فيه اثنان.. يقول الشيخ ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة النبوية): "إن لآله صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة، لا يشكرهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا تستحقه بطون قريش".
يأتي جامع آل البيت في صلالة، والذي افتتحه مفتي سلطنة عمان صاحب العلم والسماحة، ليؤكد على الدور المهم الذي اضطلع به علماء ظفار كالإمام محمد بن علي صاحب مرباط، والشيخ محمد القلعي وغيرهما، وليعطي رسالة جميلة مفادها التسامح والانسجام.