علي أحمد المطوع
الأفكار سلعة تروج بين الحين والآخر، وهي صناعة لها قوانينها السوقية وضوابطها السياسية، والمفكرون والمتميزون يظلون رواد هذه الصناعة، ويبقى المجتمع بأطيافه المختلفة السوق التي تستهلك هذه الأفكار.
وفي عالمنا العربي تزدهر صناعة الأفكار برواج فعل سياسي معين ومدى تغلغله في أفراد المجتمعات، وهنا تظهر براعة المفكر وحسه (التجاري الفكري) في ترويج منتج فكري جديد يلائم المرحلة مبنيا على ذلك الظرف السياسي – معه أو ضده - مستهدفا الفرد بصفته زبون هذه الأفكار وهذه الصناعة.
ولأن المشاريع الإصلاحية والتنويرية من أكثر المشاريع الدنيوية رواجا وأكثرها بقاء في عقول البشر وأفئدتهم، كان لزاما على هوامير هذه الصناعة تكييف أنفسهم وضبط منتجاتهم الفكرية الاستهلاكية تبعا لمتطلبات السوق وأفرادها وتغيرات المرحلة التي يعيشونها، وبداية هذه الصناعة تكون في دغدغة مشاعر المستهلك الفرد وسحبه لمنطقة الفعل الفاعلة لهذه الأفكار ليصبح أسيرا لهذا المنتج جاهزا لاستهلاكه بل والمساهمة في رواجه، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رمز يستحضره أباطرة تلك الصناعة، يستخدم كمقياس نوعي لضبط هذا المنتج وتصديره للناس وترويجه مستخدما ألقه الدعائي وحضوره المسرحي. أحيانا يكون هذا الرمز المالك الأول لأغلب الأصول الثابتة لهذا المنتج الفكري، وأحيانا أخرى يكون مجرد ترس صغير لا غنى عنه لتحريك الماكينة الكبرى لهذا المشروع، ولأن الهدف في أساسه يقوم على الربحية والظهور، فإن كثيرا من نخب المجتمع تبادر إلى الاكتتاب في هذا المشروع الفكري طمعا في رواج اجتماعي يبقيهم حاضرين في مشاهده المختلفة، أو قطف ثمار سياسية أو مادية استوت على سوقها فيحظون بمزية القطفة الأولى التي تكون عادة متميزة في الطعم والرواج والقيمة.
وبعد أن يغمر هذا المنتج الفكري العقول ويستهلكونه ليصبح البضاعة المزجاة- المنعدمة القيمة- يبدأ هوامير صناعة الأفكار في البحث عن منتج فكري استهلاكي جديد تقتاته العامة من الناس ولتكون مشاريع إصلاحية جديدة تتماهى مع ظروف المجتمع والمناخ السائد في المنطقة، وصناع الأفكار لا يجدون صعوبة في البحث عن فكرة جديدة تغمر السوق ويستهلكها العامة وبعض الخاصة من الناس، لذلك يبادر صناع الأفكار في الإتيان بمنتج فكري جديد يغزون من خلاله السوق يبتاعون به المجتمع وأفراده، وهنا تبرز إشكالية الرمز الذي سيقود الفكرة ويسوقها، فإن ارتأى هؤلاء الصناع أن الرمز السابق ما زال قادرا على العطاء والترويج لهذا الفعل، يصبح فارس المرحلة الجديدة وصانعها وضابط إيقاعها، فقط يحتاج إلى تعديل بسيط وهذا يكون من خلال حضور عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر تغريدة تويترية يعلن فيها انقلابه الفكري على المرحلة السابقة بكل تجلياتها، وعزمه على المضي قدما في تسويق بضاعته الجديدة المستوفية لكل شروط الرواج والربحية في المجتمع.
إنها الأفكار أيها السادة ...وسيلة لتحقيق الأهداف والتطلعات لمصالح شخصية ضيقة، ولنعلم جميعا أن كثيرا من الأفكار مهما كان بريقها وصفاؤها تخفي وراءها أطماعا لو تحققت لكان فيها شقاء إنسان هذه المجتمعات وتغير أحواله.