من المعروف أن الدراما التلفزيونية هي أفضل وسيلة للتعليم غير المباشر خاصة لمحدودي التعليم كما أنها أي الدراما التلفزيوينة الأفضل لما يسمى بالكوميديا السوداء التي يعيشها أي مجتمع نتيجة إحباطات أو عدم المشاركة في اتخاذ القرار.

ومع ذلك لا أعرف لماذا ارتبطت الكوميديا والدراما والمسلسلات الدرامية بشهر رمضان على وجه التحديد.. بأمسياته وبسهراته وبظهره وعصره ومغربه حتى أصبح الكثيرون يبرمجون جداولهم على بعض تلك المسلسلات بل إن بعض القنوات التلفزيونية تتجنب الأوقات التي تعرف مسبقا تزامنها مع أوقات معينة، حتى تضمن حضورا جماهيريا عاليا و تظفر بالتالي بالإعلانات التجارية ذات المردود المادي. للأسف قليلة هي الدراسات التي تجيب على هذا السؤال، لكن هؤلاء المخططين و البرامجيين يقولون إن رمضان هو الفرصة الوحيدة في الوقت الحالي التي تجتمع فيه العائلة سواء العائلات الصغيرة أو العائلات الممتدة، ومن هنا يبدأ استغلال المخططين والبرامجيين لأكبر تواجد أسري في البيت، لأن هذه اللقاءات العائلية تتعذر في أوقات أخرى حتى على مستوى الأسر الصغيرة وذلك لظروف الحياة المعاصرة، والارتباطات التي يدخل بها أفراد الأسرة من العمل إلى المشفى إلى متابعات أشغال لا تنتهي و خاصة في المدينة الكبيرة، حيث الزحام و تعقيدات الحياة بشتى صورها.

حسنا... لا بأس ... لا بأس أن تستغل هذه التلفزيونات تلك اللقاءات العائلية النادرة تسويقيا أو إعلاميا، طالما أن المشاهدة الجماعية تتميز عن المشاهدة الفردية في تعميق التفاعل الكوميدي أو التراجيدي مع ما يُعرض من مسلسلات على وجه التحديد. فالبعض يرى أن القيمة الفعلية للكوميديا السوداء لا يفهمها أو يتفاعل معها المشاهدون ذوو تجارب مشتركة أو معرفة مشتركة بالموضوع كوميديا أو تراجيديا في التلفزيون.

لم يسبق لمجتمعاتنا التقليدية أن تكسرت فيها الحواجز بين النخبة والعامة مثلما هي عليه الآن. لقد بدأت تتقلص النخب والنخبويين، وذلك بسبب أن جزءا كبيرا من تلك النخبوية تعود لاحتكار هؤلاء النخب للمعلومات. المعلومات قوة ونفوذ واحتكار تلك النخب للمعلومات، أكسبها نفوذا ووجاهة وبالتالي صلاحيات. أما وقد توفرت وسائل الاتصال الحديثة لكل فرد على حدة، فإن هذا مكن هؤلاء الأفراد من الوصول و التعامل بتلك المعلومات، ورفع هذا التطور في المستوى المعرفي للجمهور أو الرأي العام ليكون مقاربا لمستوى المعرفة لدى النخبة فتقلصت المساحة وانحسرت الهوة التي كانت تفصل بين ثقافة العامة أو الجمهور العام وثقافة النخبويين أو النخب.

وليس هناك أبرز من الفتوى والمفتين مثالا على ما تمر به النخبة في مجتمعاتنا المعاصرة من تحول عميق، عمق الجدل بين الناس حولها وتسبب بتجاذبات طولا وعرضا بل وتسبب بتجاوزات نظامية وتوج مؤخرا بأمر ملكي يقضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء منعاً للتجاوزات والإخلال بالمؤسساتية.

لقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة من إنترنت واتصالات وجوالات ومواقع إلكترونية ومحركات بحث دوراً كبيراً في النيل من احتكار النخب للمعلومات. لقد أتاحت وسائل الاتصال الحديثة الكثير من مراجع النخبة، فأصبح العامة أو عامة الجمهور أو جمهور العامة يتمتعون بذات المراجع والمرجعيات.

طبعاً لا يمكن العودة بوعي الناس والجمهور وثقافتهم للوراء بعد أن أتاحت وسائل الاتصال والتقنية اطلاع هذا الجمهور العام على كل أو أغلب المراجع والمرجعيات والآراء الفقهية إضافة إلى سهولة حصرها وتصنيف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حسب القضايا والأحداث المراد القياس عليها. وهذا لا يتناقض مع ضرورة الإبقاء على الفتوى من صلاحيات مؤسسة واحدة وهي هيئة كبار العلماء لتتدارسها بالرأي والمعلومة، لا يمكن العودة بوعي الجمهور للوراء، بل من المهم أن ينضج هذا الوعي أكثر وأكثر وأن يتقدم بخطوات أبعد وتجذير ثقافة فهم وتفهم الاختلاف الفقهي بين المذاهب الأربعة وغيرهم من الفقهاء والمدارس الفقهية من خلال مسلسل درامي تلفزيوني محاولة أن يقدم الكثير من القضايا الفقهية المختلف حولها من خلال زوايا المذاهب الأربعة والمدارس الفقهية الأخرى، سواء كان الاختلاف بين تلك المذاهب من منطلق موضوعي أو جغرافي أو زمني أو حتى سياسي.

في شهر رمضان تحديدا حيث ترتفع نسبة مشاهدة التلفزيونات عائلياً وأسرياً في رمضان لفترات أطول من غيرها، سيكون هذا النوع من الدراما التلفزيونية مطلباً اجتماعياً وأُسرياً بل حقوقياً ودينياً وسيحقق العديد من الأهداف ومن أبرزها تهيئة الرأي العام وتوعيته مما سيسهل على هيئة كبار العلماء بل والمحاكم التعاطي مع كثير من القضايا استنادا إلى وعي الرأي العام أو الجمهور العام. بل إن عملا دراميا كهذا سيقرب كثيرا ما بين المذاهب والطوائف والتيارات والمدارس الفقهية المختلفة. فوق هذا وذاك، إن عملا تلفزيونيا دراميا فقهيا سيسهم كثيرا في إشاعة وترسيخ ثقافة الحوار بين مختلف شرائح المجتمع وعلى اختلاف مشاربه.