المصري الذي تحمس كثيرا للمظلومية التي أبدتها الجماعة بعد ثورة الـ30 من يونيو لم يعد الآن كذلك، ففي الأسبوع الماضي حين دعت الجماعة لما سمته "مليونية استعادة الشرعية" لم تثمر تلك الدعوى سوى عن استجابة يسيرة للعشرات وفي أماكن متفرقة - دعك مما ترصده قناة الجزيرة والجزيرة مباشر، فهي ترى ربما ما لا يراه المصريون أنفسهم - مما يعكس أن حالة جديدة تتشكل الآن في الشارع المصري، تدعمها المؤشرات الإيجابية الجديدة التي تبشر بواقع أكثر ازدهارا وطمأنينة، ذلك أن إعادة بناء ميدان رابعة العدوية من جديد هو رسالة نفسية ومعنوية لا تقل تأثيرا في الشارع المصري عن اعتقال القيادي الإخواني محمد البلتاجي، إنها تحمل فكرة مؤداها: مصر تتخلص من الخطأ ومن آثاره.

يوم أمس الخميس، نجا وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم من محاولة اغتيال استهدفته أمام منزله بمدينة نصر، الخائفون على ما تبقى من صيت وتعاطف مع الجماعة سيسارعون للقول بأن هذه ليست سوى لعبة تقوم بها أجهزة الأمن المصرية لاتهام الإخوان، هذا المستوى من الفهم والتذاكي هو آخر ما تحتاج إليه مصر والمصريون، ولأن الأمن والجيش ليسا في حاجة لمبررات جديدة لتعقب المحرضين من الإخوان، فما اقترفته أيديهم طوال عام كامل يكفي لملاحقتهم عدة أعوام.

أسوأ ما يقوم به الإخوان وأنصارهم في هذه المرحلة أنهم يوجدون المبررات الفعلية والحقيقية في الشارع المصري للإيمان بأهمية مواجهة الجماعة مستقبلا، والاقتناع بأنهم يمثلون خطرا حقيقيا على مصر وعلى وحدتها ومستقبلها وديموقراطيتها، يحدث هذا في الداخل وفي الخارج أيضا، لا مفر من أن الجماعة ستتجه الآن للعنف، هذه هي آخر الأسلحة عند من لا يملكون خيارات أخرى للمواجهة، لا يملكون خطابا جديدا ولا رؤية جديدة ولا وعيا يمكن أن يخلق للجماعة مرحلة جديدة، لذلك فكل المؤشرات تؤكد إمكانية اتهام الجماعة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية، إنها فرصة لتقول الجماعة لأنصارها ولخصومها بأنها لا تزال قادرة ليس على المواجهة فقط، بل على استهداف شخصيات نوعية ومواقع نوعية، وتاريخ الجماعة يشهد بأن الاغتيالات هي الورقة التي لعبت بها الجماعة كثيرا. لكن هذه الورقة الآن لا تقدم سوى مزيد من إقناع الشارع المصري بحقيقة الخصوم الذين تجب مواجهتهم.

التصريحات النارية التي ظلت تطلقها الرئاسة التركية قد أحدثت في الواقع شرخا عميقا في أي تعاطف يمكن أن تحظى به الجماعة في الشارع المصري، لم تتنبه الرئاسة التركية إلى مستوى الحساسية العالية لدى المصريين من فكرة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، حتى وإن كان على حق. لقد استقبل المصريون التصريحات والمواقف القُطرية وفق الذهنية المصرية العاطفية العامة التي ترى في المواقف الحادة والمتحيزة القادمة من الخارج ضد إجماع الشارع المصري تدخلا غير بريء، وما يتم ترويجه من نداءات لمقاطعة البضائع التركية في مصر ليس سوى ردة فعل لما يراه المصريون تدخلا في شؤونهم.

انتهت الجماعة غالبا، وتعلم المصريون الدرس بشكل جيد، وستتحول الحالة المصرية إلى مرحلة التعافي ومواجهة الأخطار المحتملة والمستقبلية، لكن الإدارة الخاطئة لهذه المرحلة من قبل الجماعة ومراكزها داخل مصر وخارجها، أوجدت حالة غريبة للنهايات السياسية، حالة لم تعرفها مختلف الأحزاب والتكتلات السياسية، لم تكن الجماعة وطنية في يوم من الأيام، إنها هزيمة للإسلام السياسي وللحكومات التي راهنت على أن جماعة يمكن أن تدير المنطقة وأن تكتب تحولاتها، وهزيمة للذين رأوا في الجماعة أنموذجا للإسلام المعتدل، هذه النقطة فقط ستنسفها الجماعة في مرحلتها الحالية بعد أن تتورط في مواقف وأحداث؛ أولها ما حدث بالأمس في محاولة اغتيال وزير الداخلية، إنها ليست سوى عودة كئيبة لمرحلة التسعينات.