يتحتم علينا والعام الدراسي يستهل أولى خطواته، محتضنا فلذات الأكباد، أن نؤسس لمشروع – في رأيي- أنه من أهم المشروعات التي ينبغي أن توليها مؤسسات الدولة الكبرى العناية والاهتمام، خاصة تلك المقاربة له من مثل وزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم العالي أو حتى المؤسسات التي تتماس بشكل أو بآخر مع هموم النشء وبناء أفكارهم وشخصياتهم، إنه المشروع اللغوي. لا أعني اكتساب لغة الآخر والتعمق فيها - مع أهمية ذلك - وإنما اللغة الأم، اللغة الهوية واللسان العربي المبين، فما تحفل به مقررات الدرس اللغوي اليوم من معارف ومهارات جيد، وحظي باشتغال مركّز أثناء تصميم المناهج، غير أن طرائق الأداء واستراتيجيات التعاطي مع المهارات اللغوية بوصفها أدوات تفكير ما تزال - دون تعميم - نمطية سطحية، ليس لها والصورة هكذا أن تقدم جيلا منتميا إلى لغته، وقادرا على إعادة إنتاج أفكاره وفق سياقات لغوية مؤثرة وقادرة على تجسير الفجوات المعرفية والتواصلية مع المجتمع أو مع الآخر أيا كانت صبغته أو حدوده.

نحن نعلم أن العلاقات في عمقها تقوم على المصالح، وإن تفاوت تورية ذلك من فرد إلى فرد أو من مجتمع إلى مجتمع آخر، ويعتمد جلّ ذلك على المقدرة اللغوية الفطرية أو الاستعداد للاكتساب المهاري اللغوي في التأثير والإقناع، وليس أبرز دليلا من المفاوضات السياسية التي تنبري اللغة عبرها فارس المضمار، فالجمل والخطابات والتوقيعات التي تجري على ألسنة السياسيين هي في واقعها حمولات دلالية حظيت بالعناية والتركيز، وإدراك ما تكتنز به من فضاءات المعنى وهوامش التأويل قبل إلقائها، ثم مراقبة تفاعل المتلقي معها بعد الاستماع واتخاذ المواقف.

في كتابه "العرب والانتحار اللغوي"، يقول عبدالسلام المسدي، شارحا فكرة علاقة اللغة بالتنمية والنهوض المعرفي: "من له أدنى قدر من الحصافة، يعرفُ أنه من المتعذّر على أيّ مُجتمع أن يؤسّس منظومة معرفية، من دون أن يمتلك منظومة لغوية تكون شاملة، مشتركة، متجذّرة، حمّالة للأبعاد المتنوّعة فكراً وروحاً وإبداعاً، فاللغة هي الحامل الضروري المُحايث لكل إنجاز تنموي".

إن الاستناد إلى لغة مرجعية أصيلة سبيل رئيس للحصول على السيادة في شتى مناحي التنمية والسياسة، أولها وأقربها في ظل ما نعيشه اليوم، إذن فليكن لدى مؤسساتنا من المسؤوليات ما توليه للغة العربية اكتسابا وأداء، فبها يرجى الرقي وعلى هداها يتحقق المنجز، وليس أولى في هذه الآونة وكل آونة من محاضن التربية والتعليم فعليها بعد الله التكلان.