شدد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة على أن من الخلل في التفكير والقصور في العلم والإيمان بالله أن تقصر الزلازل على سبب طبيعي جيولوجي مادي بحت، لا حكمة فيه ولا ثمرة، أو أنه لا مجال للإيمانيات فيها، بل هناك من يسخر بكل مذكر بآيات الله وسننه الكونية ووصفه بالتخلف واقحام الدين في كل شئ وأن الزلازل قد عرف سببها الظاهر فكيف تكون عقوبة أو ابتلاءً وامتحانا.
وقال: "ولأجل أن ندرك أي الفهمين أقرب إلى هدى الله جل وعلا فقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل أي ممطرة ثم قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) فإذا كان هذا في المطر الذي هو من سنن الله الكونية والذي شرع الاستسقاء من أجله وقد عرف سببه الظاهر ومع ذلك وجد من يحصره في نطاق تفسير مادي صرف ولا يسمح عقله العطن أن يجعل للاعتبار والثواب والعقاب والابتلاء أثر به".
وقد بدأ الشيخ الشريم بوصية المسلمين بتقوى الله عز وجل، ثم قال: "للناس في حياتهم مد وجزر وخوف ورجاء وإعطاء وأخذ وقوة وضعف وهم مع ذلك كله إما راجون خيرا ونعمة أو خائفون شرا ونقمة وخوفهم ورجاؤهم متعلق بدينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم فهم يرجون الهداية ويخافون الغواية ويرجون حيات النفس ويخافون مواتها بغير حق ويرجون سلامة العقل الحسي والمعنوي ويخافون خلله حسا ومعنى وقولوا مثل ذلكم في أموالهم وأعراضهم وهم في نظرتهم لسنن خالقهم الكونية يرجون المطر المحيي ويخافون المطر المغرق ويرجون الرياح المبشرات ويخافون الريح المنذرة".
وأضاف: "لعقلاء الناس إدراك لبعض حكم تدبير الخالق في كونه وما يرسله من الآيات بين الفينة والأخرى إذ لديهم من الحس والإيمان بالباري سبحانه وتذكرهم بأيام الله وقد خلت من قبلهم المثلات مايجعلهم شاخصي الأبصار اعتبارا بآيات الله وسننه الكونية وتتجدد في أذهانهم لحظات التصديق للنبؤات التي تحدث بها الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه عما يكون من سنن في أعقاب الزمن فكان مما جاء به وحيا في الكتاب والسنة عن آية من آيات الله جل شأنه ألا وهي الزلازل فقد اقسم الله في كتابه بقوله (والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وماهو بالهزل)، والعذاب الذي من تحت الأرجل هو الخسف والزلازل".
وأوضح: أن الزلزلة لم تقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعوا بها في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فآمنوا بها وصدقوا أنها آية من آيات الله يرسلها الله على من يشاء من عباده، وقال: "كثرتها في زمننا هذا هو من الإعجاز الغيبي والعلمي في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكر كثرتها في آخر الزمان وقد أقسم الله سبحانه بالأرض ذات الصدع ولم يك هذا الصدع معلوماً 14 قرناً من الزمان حتى اكتشفت جيولوجيا في القرن الماضي فوجد العلماء صدعا ضخما في باطن الأرض في قاع المحيط وأن معظم الزلازل في العالم تتركز في هذا الصدع فدل قسم الباري بالأرض ذات الصدع على الإعجاز ليستبين الملحدون سبيلهم المنحرف وأن ما اكتشفوه قد ذكره الله قبلهم بـ14 قرنا من الزمن وأن ما يأتي به النبي الأمي إنما هو وحي يوحى لا نطقا عن الهوى فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون".
وبين الشريم أن أئمة الدين قد ذكروا أن الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره ليدركوا ماهم عليه من نعمة سكون الأرض ورسوها واستقرارها للحيوان والنبات والمتاع والمسكن وأن ما يحصل فيها من خسف وزلزلة واختلال إنما هو ابتلاء وامتحان أو عقوبة وإنذار كما رجف بثمود وخسف بقارون، لافتا النظر إلى أنه كان من هدي الإسلام الاعتبار بالزلازل وأن المرء المسلم مطالب بأن يفعل من أسباب الخير الظاهرة ما يجلب الله به الخير ويدع من أسباب الشر الظاهرة ما يدفع الله به الشر ومن ذلك التوبة والاستغفار والصدقة والصلاة تشرع لها عند بعض أهل العلم دون جماعة.
ودعا المسلمين إلى تقوى الله والتماس رحمته وعفوه واتقاء غضبه فإن الله يمهل ولا يهمل ويملي للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته والاستمساك بصلاح النفوس والمجتمعات وإصلاحها فإن الله نفى إهلاك القرى إذا تحقق فيها الإصلاح الصادق فمن موجبات الهلاك رد النصح وإهمال الإصلاح فما خسف بقارون إلا بعد أن قيل له لا تفرح فاستكبر وما أخذت الرجفة ثمود إلا لما كرهوا النصح.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن من سنن الله أن تخوف أمما بالحروب وأخرى بقلة الأمن وثالثة بالنقص في الأموال والأنفس والثمرات ورابعة بالفتن والزلازل ونحوها والنتيجة المحصلة قال تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، فهنا سبحانه قد ذكر أن الابتلاء والتخويف قد أثمر نتيجة مع المخوف بهما فتذكر ورجع إلى الله فحقت له الهداية ولا يستثنى عصر من التخويف فقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خير العهود والقرون وذكر أن الله سبحانه وتعالى يخوف بها عباده.
وفي المدينة المنورة دعا إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة الشيخ عبدالمحسن القاسم المسلمين إلى تقوى الله سبحانه حق التقوى.
وقال فضيلته: "إن الله تعالى تفرد بالوحدانية ونزه نفسه سبحانه عن الشريك والمثيل وأمر عباده أن يعبدوه وحده ونوع لهم العبادات وجعل إفراده بالعبادة أصل الدين وأساسه وأول أركانه وهو جماع الخير ولا تقبل حسنة إلا به, والعمل القليل معه مضاعف وبدونه الأعمال الصالحة حابطة وإن كانت أمثال الجبال وكل آية في كتاب الله صريحة فيه أو دالة عليه في واجباته أو ضده وأول أمر في كتاب الله الأمر به وهو أول دعوة الرسول وخلاصتها ومن أجله بعثوا", مستشهدا بقول الله تبارك وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وفي كل صلاة يعاهد المسلم ربه على القيام بذلك قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
وأوضح أن إفراد الله بالعبادة هو حق واجب على عباده فهو أول واجب عليهم من التكاليف وهو أول ما يسأل عنه العبد في قبره ولأهميته ولكونه لا طريق لرضى الرب إلا به دعا إمام الحنفاء لنفسه ولذريته بالثبات على التوحيد كما جاء في كتاب الله الكريم (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)، ودعا يوسف عليه السلام ربه فقال (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ، ومن دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك) ونهج الرسل تعليمهم لأولادهم وسؤالهم عنه، حيث كان النبي عليه السلام يعلم غلمان الصحابة التعلق بالله وحده دون ما سواه".