وبعد 3 أيام على وقوع الحادث، لا تزال المعلومات قليلة، ولا أحد يعرف حتى الآن من الذي ارتكب هذا العمل الإجرامي الذي يتسم بالجبن. ويرجح أغلب خبراء الإرهاب في الولايات المتحدة أن يكون التفجير من فعل منظمة يمينية أميركية تعارض الرئيس باراك أوباما وسياساته. إلا أن أحدا لا يستبعد حتى الآن أن يكون المسؤول هو تنظيم إرهابي خارجي.

وفيما توالت بيانات الإدانة للعملية الإرهابية فإن تورط أي منظمة إرهابية خارجية فيما لو ثبت، يمكن أن يهدد مرة أخرى بإلقاء ظلال رمادية على علاقات دولية كثيرة وسياسات مختلفة تتبعها واشنطن في أنحاء العالم. فليس من السهل الآن تطوير مواقف إدارة الرئيس باراك أوباما مثلا من المعارضة السورية لا سيما بعد إعلان توحد إحدى فصائلها مع قاعدة العراق وليس من السهل متابعة عملية "النقاهة" المرهقة للعلاقات الثقافية والتعليمية - بين الدول العربية والإسلامية من جهة والولايات المتحدة من الجهة الأخرى - التي أعقبت هجوم 11 سبتمبر 2011. كما لم يعد من السهل مواجهة التردد الذي تبديه واشنطن في لعب دور أكثر وضوحا على الساحة الدولية لموازنة دور لاعبين إقليميين هنا وهناك من شأن سياساتهم العدوانية أن تهز أركان الاستقرار في هذه المنطقة أو تلك.

براءة السعوديين

والشاهد أن تبعات ما حدث في مجال السياسة الخارجية الأميركية لم تتضح تماما إذ لم يعرف بعد ما إذا كان مرتكبوها من داخل الولايات المتحدة أو من خارجها. إلا أن من شأن السياسات الأمنية ومناخ المبالغات الأمنية أن يعود – على نحو مفهوم – بعد تلك الجريمة. ولذا فقد أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي بيانا يحذر فيه من القفز إلى الاستنتاجات، كما أن الرئيس أوباما طالب بالأمر نفسه في كلمته المقتضبة التي أعقبت الحادث بساعات. فضلا عن ذلك فإن الرئيس كرر في اليوم التالي قوله إن مرتكبي الحادث غير معروفين، وإن أهدافهم غير معروفة أيضا. وكان المكتب قد أكد أنه لا يوجد أي شخص رهن الاعتقال، وأن شابا سعوديا يحمل تأشيرة دراسية أصيب بحروق في يده، وألقى مواطنون القبض عليه وهو يركض مبتعدا عن مكان الانفجار شأنه شأن مئات الأشخاص الذين فعلوا الأمر نفسه.

واستخدمت تلك الواقعة للتوصل إلى افتراضات كثيرة تزج باسم المملكة مرة أخرى في تلك الجريمة التي أدانتها الرياض بأوضح العبارات، إذ عبر سفير المملكة في واشنطن عادل الجبير بعبارات قوية عن رؤية السعوديين جميعا لما حدث بعد ساعات قليلة من وقوعه بقوله "إن ما حدث اليوم في بوسطن هو جريمة شنعاء تتناقض مع قيم الإنسانية جمعاء".

وهذا ما دفع الجهات الأميركية المسؤولة إلى التحذير من تلك الاستنتاجات ودفع أيضا مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى التأكيد على أن الشاب السعودي "غير معتقل"، وأنه يتعاون في الإجابة عن أسئلة المحققين من مستشفاه. وكإجراء احترازي قام المكتب بتفتيش شقة الشاب في بوسطن للتأكد من عدم وجود أي صلة بينه وبين الانفجار. غير أن السلطات عادت صباح الثلاثاء لتقول إنه ثبت أن الشاب السعودي لم يكن متورطا في أي عمل وأنه قد يفرج عنه قريبا لتخيب بذلك آمال من أرادوا الزج باسم المملكة في تلك الجريمة.

إغراء للإرهابيين

وقال الخبير في شؤون الإرهاب والضابط السابق في المخابرات المركزية الأميركية جوزيف ويبل إن من الصعب حماية ماراثون بوسطن من أي عمليات إرهابية. وتابع "الشوارع المحيطة بالماراثون تمتد على مسافة عشرات الأميال، وهناك نحو 26 ألف مشارك فيه ومئات الآلاف ممن يشاهدونه، ومن الصعب تأمين كل ذلك. وفي اعتقادي أن شرطة بوسطن وضعت تقريرا في 2003 قالت فيه إن المناسبة تعد هدفا مغريا للإرهابيين، وإن من الصعب حمايتها. وبذلت سلطات المدينة جهدا هائلا لتأمين الماراثون بعد ذلك، ولكن كما أسلفت فإن تأمينه بصفة كاملة هو أمر مستحيل تقريبا".

وأشار ويبل إلى أن أي دولة متقدمة تتعرض لصعوبات من نفس النوع، وأضاف "داخل أي دولة من هذا النوع عدد لا نهائي من الأهداف المماثلة. ومهما كثفت الحكومة من الإجراءات الأمنية المحيطة بتلك الأهداف فإن من الصعب جعلها آمنة تماما. ليس ثمة بلد محصن تماما من الأعمال الإرهابية على أي حال".

يمين أو يسار؟

وقالت الأستاذة في هارفارد والمتخصصة في شؤون الإرهاب أيضا جولييت كايم "ترجيحي أن التفجيرات من عمل مجموعة إرهابية محلية سواء من اليمين المتطرف أو من اليسار المتطرف. إن من ارتكبوا هذه الجريمة يعرفون مدى اهتمام سكان بوسطن بالماراثون وبمشاهدته وأهميته لكل من يتابعون سباقات الركض في الولايات المتحدة".

وقال دانييل دريزنر الأستاذ في جامعة فليتشر والباحث في الشؤون الأمنية إن من المبكر الحديث عن إرهاب دولي يمكن أن يكون شارك في الجريمة. وأضاف "بعد الانفجار الذي وقع في أوكلاهوما سيتي سارع البعض لينسبوه إلى القاعدة وإلى منظمات أخرى. ولكننا اكتشفنا بعد ذلك أن من قام بالتفجير كان منظمة محلية. لا أعتقد أن من الحكمة الإسراع بتوزيع الاتهامات جزافا. إن المعلومات شحيحة، ولكنني واثق بأننا سنصل إلى مرتكبي الحادث في كل الأحوال".

بيد أن الأستاذ مارك انسلاكو مدرس الإرهاب والعنف السياسي في جامعة دايتون يذهب إلى أن التفجير يحمل بصمات المنظمات الإرهابية المحلية.

يوم الضرائب

وشرح انسلاكو ذلك بقوله "إن ردة فعلي الفورية حين عرفت بتفصيلات ما حدث هو أننا نرى واقعة مشابهة لما حدث في أوكلاهوما أو أولمبياد اتلانتا. إن مناسبة التفجير هو ما كان يسمى في القديم يوم الضرائب، أي يوم الاحتفال بتمرد بوسطن على الاحتلال البريطاني الذي فرض ضرائب إضافية على المستعمرات الأميركية آنذاك. واليمين المتطرف يحتفل باليوم باعتباره مناسبة لتأكيد الاستقلال عن الحكومة الفيدرالية التي يشبهها هذا اليمين بالاحتلال الأجنبي. إنني قلق من أن تكون مجموعة يمينية متطرفة استخدمت اليوم ومناسبته التي يتابعها الملايين لكي تبعث برسالة يشاهدها أيضا هؤلاء الملايين".

وتابع "الحقيقة أننا نرصد الجماعات الإرهابية الدولية مثل منظمة القاعدة بوسائل أفضل كثيرا مما نرصد به المنظمات الإرهابية المحلية. ولا يمكنني أن أستثني القاعدة بطبيعة الحال، ولكن ما رأيته لا يحمل علامات العمليات التي ألفت القاعدة القيام بها. فالقاعدة تعتمد على العمليات الانتحارية. وما حدث لم يكن هجوما إرهابيا. إنهم يرتدون أحزمة ناسفة ويجرون وسط الحشود ثم يفجرون أنفسهم. وما يستخدمونه من متفجرات يختلف عما رأيته في حالة بوسطن. على الرغم من ذلك فإن كل الاحتمالات يجب أن تخضع للمتابعة الدقيقة".

توقيت مهم

وقال الدكتور موريس تيلور أستاذ العنف السياسي في جامعة جنوب ايللينوى إن مكان الانفجار كان محاطا بكاميرات المراقبة، وأضاف "أعتقد أننا سنعرف أكثر عن الحادث خلال أيام قليلة. إن واقعة حدوث انفجارين تفصل بينهما نحو 12 ثانية من الزمن أنهى أي شك في أنه عمل إرهابي. إنني أخشى أن يكون ما حدث هو مجرد تجربة لشيء أكبر. ولكن من الصعب بالنسبة لي أن أقول ما إذا كانت تلك التفجيرات نتيجة لعملية قامت بها منظمة إرهابية دولية أو منظمة إرهابية محلية. سنعرف من تحليل القنبلة على أي حال".

وعزز ضابط مكتب التحقيقات السابق جيمس ويديك الذي تقاعد بعد 34 عاما من العمل تخصص خلالها في قضايا مكافحة الإرهاب ما قاله الأكاديميون الأميركيون بقوله إنه يعتقد أن التفجير من عمل منظمة إرهابية أميركية وليست خارجية. وقال ميديك في ذلك "لقد كان توقيت التفجير مهما من حيث إنه لم يتم في اللحظة التي كان يمكن خلالها إحداث الأثر المدمر الأكبر".

وتابع "يعني ذلك أن من قاموا بهذا العمل ليسوا خبراء في العمليات الإرهابية. لقد انفجرت العبوتان الناسفتان بعد 4 ساعات من بدء السباق فيما يصل أغلب المتسابقين إلى خط النهاية بعد ما يتراوح ما بين ساعتين و45 دقيقة و3 ثلاث ساعات. لقد كانت الشوارع أقل ازدحاما بكثير حين انفجرت القنبلتان. وليس هذا بعمل إرهابي محترف مثل الذي نراه من منظمات الإرهاب الدولي".

إمكانات ضئيلة

وقال خبير الإرهاب العالمي ديفيد هاريس وهو كندي الأصل ويعمل لحساب حكومة أوتاوا إن معرفة الجناة هي نتيجة "شبه مؤكدة" للتحقيقات الحالية. وشرح ذلك بقوله "أعتقد أن الإمكانيات المتوفرة للتحقيق تفوق كثيرا أفضل ما يمكن أن يطمح إليه المحققون. ونقطة البداية في العادة هي جمع أجزاء القنبلة وكل ما يتعلق بها، ولاسيما القطع المعدنية التي امتلأت بها وتحليل ذلك لمعرفة مصدرها. إن ما تقدمه المتفجرات من أدلة يتجاوز أحيانا أي أدلة أخرى في معرفة توقيع من أعدوها".

وتابع "لست مشاركا في التحقيق، ولكن مما قيل فقد تم استخدام مسحوق البارود في القنبلتين. وهذا المسحوق متوفر أكثر من عبوات البلاستيك التي تسمى سي فور. ويعني ذلك بالنسبة لي أن الشبكة التي تورطت في صنع تلك المتفجرات لم تكن لديها إمكانيات كبيرة للحصول على متفجرات أكثر تعقيدا".

وإذا صح الافتراض القائل بأن مرتكبي الحادث ينتمون إلى منظمات إرهابية محلية، فإن ذلك يعني تسليط الضوء على الجماعات اليمينية التي قاومت إعادة انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، إما بسبب انتمائه العرقي أو بسبب دفاعه عن دور الحكومة الفيدرالية. وينزع اليمينيون إلى تبني موقف يدعو إلى تقليل دور الحكومة الفيدرالية لا سيما في مجال فرض ضرائب على الأميركيين أو تبني مشروعات جماعية للرعاية الاجتماعية والصحية، وهي أمور يتبناها الحزب الديموقراطي والرئيس الأميركي الحالي.


التحقيق يقترب من تحديد هوية الجناة


حددت السلطات الأميركية التي تتولى التحقيق في تفجيري بوسطن، شخصاً يحتمل أن يكون ارتكب حادث التفجير الثاني قرب خط نهاية الماراثون الذي تجريه المدينة بصورة سنوية، وذلك استناداً إلى فحص شرائط فيديو ملتقطة للموقع، وظهر فيها شخص وصف بأنه أبيض البشرة يبلغ طوله ما بين 180 و185 سنتيمترا، يتحدث في هاتفه النقال وهو يحمل حقيبة سوداء كبيرة نسبيا على ظهره، وبعد قليل وضع حقيبته على الأرض، وبعد ثوان قليلة حدث الانفجار الأول فركض بعيدا ليحدث الانفجار الثاني في الموقع الذي ترك فيه حقيبته.

وتسعى سلطات مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى استخدام تقنية تحسين الصور لمعرفة ملامحه بشكل أدق، فضلا عن مراجعتها سجلات كل المكالمات الهاتفية التي أجريت من هواتف نقالة من الموقع المحدد. وتم تحديد أغلب أرقام تلك الهواتف فيما تجمع السلطات صور أصحابها لمطابقتها مع الصورة التي ظهرت في شريط الفيديو.

وترددت سلطات التحقيق في التأكيد أن الشخص المذكور يعد مشتبها به، مما أدى إلى إرجاء نشر صورته لأسباب تتعلق بعدم وضوحها وخشية أن يهرب صاحبها.

وقال حاكم ولاية ماستشوستس ديفال باتريك إن التحقيقات تتقدم بطريقة مرضية للغاية. وتابع "لن تكشف سلطات التحقيق عن شيء إلا في الوقت الذي تراه مناسبا. ولكن ما أعرفه هو أنه مع مرور كل ساعة نصبح أقرب إلى تحديد شخصية الجناة".

ومن المعتقد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيعلن عن شخصية المشتبه في قيامه بالتفجير الثاني في فترة وجيزة، وأن ذلك سيعد تحولا في مسار التحقيق. ويسود اعتقاد عام بين الخبراء والمعلقين في الولايات المتحدة بأن الجناة ينتمون بالفعل إلى منظمة محلية متطرفة.

 





.. ونصف الأميركين "قلق"


قالت أغلبية ساحقة من الأميركيين في استطلاع للرأي أجرته شبكة "فوكس نيوز" إنها تعتقد أن الحادث من تدبير وتنفيذ منظمة إرهابية محلية. وقال 62% ممن شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أنه من تنفيذ تنظيم يميني أميركي، فيما قال 20% إنهم يعتقدون أن متطرفين إسلاميين يقفون خلفه. وقال 79% إنهم واثقون من أن السلطات ستصل إلى الجناة، فيما قال 12% إنهم غير واثقين من ذلك. واتسم موقف الأميركيين من الحادث بالغضب وليس بالخوف، فقد قال 58% إنهم يشعرون بالغضب فيما قال 27% فقط إنهم يشعرون بالقلق.

وكان من المقرر أن يعقد مكتب التحقيقات الفيدرالي مؤتمرا صحفيا بعد ظهر الأربعاء إلا أنه أعلن في السابعة مساء أن المؤتمر ألغي دون تقديم سبب واضح لذلك. وأعلنت السلطات عن مقتل سيدة صينية في الحادث إضافة إلى طفل وشابة أميركية.