في فترات مراهقتي وفيما بعد في شبابي، سأعترف اليوم أنني كنت مشروعاً جهيمانياً أو قاعدياً أو كادراً خفياً من كوادر حركة الإخوان المسلمين لولا لطف الله وأقداره وعنايته.

في تلك الفترة بالتحديد من نهايات السبعينات وبدء ثمانينات القرن الماضي كان المناخ مثلما كانت التربة: في كامل الجاهزية والتهيئة الفطرية لاستقطاب عقول مجتمع بسيط في غاية البراءة والسذاجة. كنت في السنة الأولى من الثانوية العامة، عندما كانت كوادر حركة جهيمان العتيبي تذرع كل هذه القرى الجبلية المتناثرة وتعسكر في جنباتها بالأيام الطويلة، ونحن الأبرياء المساكين الذين نحتشد في خطبهم ومواعظهم بالمئات بلا ذرة إدراك لأي هدف من أهداف هذه الحركة. وعن طريق أحد أعوانه وأذرعه الأساس التي وردت على اسمه شخصياً في حادث اقتحام الحرم المكي الشهير، اقتنعت يومها بالانضمام، شاباً يافعاً مراهقاً، إلى صفوف هذه الحركة. كنت على وشك الرحيل (مجاهداً) في أحد مساجد مدينة جدة، مثلما فعل يومها بعض (بلدياتي) لشهرين كاملين، ومن يومها لا زلت أتساءل: ماذا يعني أن تكون (مجاهداً) في مسجد من مساجد وطن هم أهل الإسلام وحاملو رسالته. لا زلت أتذكر عصر ذلك اليوم الذي كنت فيه على وشك الرحيل إلى صفوف جهيمان وحركته لولا ذلك (الكف) الصادم على الكف الأيسر من شقيقي الأكبر الذي أكمل يومها دراسته الجامعية في كلية الشريعة متفوقاً على كل طلاب (المملكة): كان ألمعياً بالغ الذكاء والفطنة ولا زال ولا زلت أتذكر نقاشه الحاد مع المجموعة الجهيمانية، وكان ذلك الحوار الجاد أول حوار سمعته في حياتي بين متدين تقي نقي وبين ادعياء تدين يدعونني للجهاد في مدينة جدة. بكف شقيقي الساخن الحار طويت المرحلة الجهيمانية...