ظهر الاهتمام بالتربية البيئية بشكل واضح في السبعينات من القرن الماضي من خلال عقد اللقاءات، والندوات، والمؤتمرات المتخصصة في هذا المجال والموجهة لمناقشة قضايا البيئة، والتربية البيئية بشكل شمولي، والتربية البيئية مفهوم مركب يشمل الجانب التربوي، والجانب البيئي؛ فهذا المفهوم يجمع بين هذين المجالين؛ ليقدم أهداف التربية البيئية التي يتوقع أن تعمل مناهج التعليم في مختلف المراحل التعليمية على تحقيقها ليكون هناك مواطن واع، ومهتم بالبيئة وقضاياها، ومدركا لمشكلاتها، ولديه معارف، ومعلومات، ومهارات تمكنه من التعامل مع المشكلات البيئية وإيجاد الحلول المناسبة لها.

ونظرا لزيادة أنشطة أفراد المجتمع المختلفة، وغياب الأنظمة، واللوائح، والتشريعات، والسياسات المتعلقة بالبيئة وحمايتها، وصيانتها، أو عدم تفعيلها، أدى إلى ظهور مشكلات بيئية متنوعة أثرت على التوازن البيئي، وعملت على الاختلال النظام البيئي، مما أدى إلى ظهور الكثير من المشكلات الصحية، والاقتصادية، ونظرا لأهمية ذلك، كانت هناك جهود على مختلف المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية للحفاظ على البيئة، وتمثلت هذه الجهود في سن قوانين، وتشريعات، وأنظمة لحماية البيئة، ولكن المشكلة تكمن في أن تطبيقها يخضع لعوامل اقتصادية، وسياسية، ويحكمها أيضا الجانب العسكري للدول الكبرى، أو المتقدمة التي ترى أن تطبيق أنظمة وقوانين حماية البيئة قد يتعارض مع كثير من مصالحها المختلفة، والمتأمل في النظام البيئي يجد أنه متكامل، ومترابط بشكل دقيق وأي مشكلة تواجهه قد تنعكس مباشرة على أفراد المجتمع سواء في المجال الصحي، أو الاقتصادي، وغيره من الجوانب الحيوية، كما عقدت مؤتمرات عالمية، وإقليمية، ومحلية في مجال التربية البيئية، ولكن توصيات هذه اللقاءات لم يتم تفعيلها بشكل يضمن الحفاظ على البيئة، ويحل مشكلاتها.

ويؤكد المتخصصون في التربية البيئية على أن تحقيق أهدافها المختلفة، ومواجهة المشكلات البيئية لن يتحقق من خلال تطبيق الأنظمة، والتشريعات البيئية للأسباب التي سبق الإشارة لها، أو لأسباب أخرى تعتمد على كل بلد ونظرته لهذا الموضوع، ودرجة تأثره بالمشكلات البيئية، ومن هنا كان هناك خيار آخر كبديل، أو كمرادف لهذه الأنظمة والتشريعات، وهو الاهتمام بالتربية البيئية، وجعلها جزءا أساسيا من المناهج التعليمية سواء في مراحل التعليم العام، أو من ضمن متطلبات الخطط الدراسية في التعليم الجامعي، وبذلك ظهر من ينادي بتضمين المحتوى، والأساليب التي تحقق أهداف التربية البيئية في مناهج، أو مقررات خاصة بالبيئة، ويتم معالجتها بشكل منفصل عن بقية المقررات، وفي الجانب الآخر، هناك من ينادي بأن يكون محتوى التربية البيئية موزعا على مختلف مقررات مناهج التعليم بالتعليم العام، بحيث تتم مناقشة هذه الجوانب في مقررات التربية الإسلامية، واللغة العربية، والعلوم، والتربية الفنية، وغيرها من التخصصات.

وهنا أرى أن هناك جوانب ضرورية لا بد من تحقيقها في التربية البيئية، فالجانب المعرفي مسؤول عن تزويد المتعلمين بالخبرات، والمعلومات اللازمة عن بيئتهم، وما يواجهها من مشكلات مختلفة، والتي تساعدهم على حل المشكلات البيئية التي يواجهونها، والجانب الآخر يركز على توعية أفراد المجتمع بأنهم جزء أساس من النظام البيئي وأي نشاط يقومون به يؤثر على بيئتهم سلبا، أو إيجابا، ومن خلال ذلك يمكن إدراك المسببات الأساسية للمشكلات البيئية، وكيفية التعامل معها، كما أن التربية البيئية في حال تقديمها للطلاب بشكل مناسب تعمل على تنمية القيم الأخلاقية لديهم بما يحقق بناء علاقة إيجابية بين الفرد وبيئته، وتعمل التربية البيئية أيضا على تنمية الثقافة البيئية لدى الطلاب بما يحقق إكسابهم اتجاهات بيئية إيجابية.

ووجود مناهج، ومقررات للتربية البيئية ضمن برامجنا التعليمية ضرورة ملحة في هذه الأيام أكثر منها في الأعوام السابقة؛ لتزايد نشاط الإنسان وتأثيراته السلبية الكبيرة على البيئة، ولا بد أن تقدم التربية البيئية للمتعلمين بصورة تطبيقية، ووظيفية بعيدا عن الأساليب النظرية التي أثبتت عدم جدواها في تدريس كثير من فروع المعرفة، ونظرا لدور مؤسسات التعليم في تحقيق متطلبات الثقافة البيئية، وتنمية الوعي البيئي، وإكساب أفراد المجتمع اتجاهات إيجابية نحو بيئتهم وتحكم سلوكياتهم، وتعاملهم السليم معها، فإن وزارة التربية والتعليم مطالبة بتضمين مقرر خاص للتربية البيئية في مناهج المرحلة الابتدائية، والمتوسطة على الأقل، ومؤسسات التعليم العالي مسؤولة عن جعل مقرر التربية البيئية من ضمن المتطلبات التي يدرسها جميع الطلاب الملتحقين بكلياتها.