لا يزال المراقبون يقفون حائرين أمام عدم توصل السلطات التحقيقية في الولايات المتحدة لأية خيوط قد تدل على منفذ أو منفذي تفجيرات بوسطن رغم إعلان الرئيس باراك أوباما أن ما جرى هو "عمل إرهابي".. احتمالان لا ثالث لهما للفاعلين المحتملين. ورغم وجاهة كل منهما، إلا أن خبراء تحدثت إليهم "الوطن" لم يستطيعوا الجزم بترجيح أحدهما على الآخر.. يقول أحدهم "باراك أوباما لا يملك من المعلومات إلا القليل.. الموضوع مفتوح على كل الاحتمالات".

ويقول رئيس تحرير "الوطن" سابقا، مدير قناة العرب الإخبارية حاليا جمال خاشقجي "فور وقوع الحادثة وضع كل مسلم وعربي محب لدينه ووطنه يده على قلبه متمنيا ألا يكون منفذها أحمق من بيننا، ذلك لأن الضمير العربي المسلم لا يحب الإرهاب ولا الانتقام، ولا يريد مزيدا من المشاكل مع العالم والولايات المتحدة". وأضاف خاشقجي في تصريح إلى "الوطن": "شخصيا ارتحت عندما سمعت من مسؤول أميركي سابق وذي مصداقية، اعتقاده أن اليمين المتطرف الأميركي خلف العملية، دون أن يلغي ذلك أي احتمال آخر، وقليل من يعلم بيننا نحن العرب أن "الحرية " المتاحة في أميركا تسمح لشتى المجموعات المتطرفة بممارسة ليس فقط "حقها " في التعبير عن رأيها والدعوة إليه، وإنما أيضا التدريب وجمع السلاح.. هذه المجموعات يمكن أن تدمر الولايات المتحدة لو وصلت مثلا للسلطة، وهي تحت المراقبة الدائمة من الشرطة الفيدرالية، وهي في مجموعها وتعدادها أكبر بكثير من تنظيم القاعدة حول العالم"، مضيفا "لكن لا يتحرك الأمن الأميركي ضدها إلا إذا خالفت القانون ومارست العنف". وأوضح خاشقجي أنه "إذا ثبت تورط إحدى تلك المجموعات اليمينية في تفجير مارثون بوسطن، فإن ذلك سيزيد من حدة الصراع الدائر حاليا في الولايات المتحدة بين اليمين واليسار، والذي تتصدره زمرة قوانين تهدف للحد من "الحق الدستوري" في امتلاك السلاح، مما قد يساعد الرئيس أوباما في صراعه مع الجمهوريين المعارضين". وتابع "للتطرف في أميركا أشكال "هوليوودية"، فبعض المتطرفين يمارسون العنف للفت الانتباه لشخوصهم، مثل مقتحمي المدارس والمسارح ومطلقي النار عشوائيا، ولكن حتى لو تبين ذلك سيتوجه الرأي العام الأميركي لمناقشة انتشار السلاح وثقافة العنف حتى في الأفلام والموسيقى". وأضاف خاشقجي "أما إن كان منفذ عملية بوسطن من الذين لا نريد، وتبين أن خلف العملية "قاعديا هاويا" وغير محترف، فسوف تمتد الأزمة إلى بلده، وإن كان عربيا فسيعاد طرح الأسئلة القديمة، عن ثقافة العنف في ذلك البلد، وعلاقة الإسلام بالغرب، وهل هو فرد أم يعبر عن مجتمع بأكمله"، مؤكدا "للأسف يجب أن نعترف حينها مرة أخرى بقدرة اللاعبين الأفراد غير الرسميين على مسرح السياسة وفي تشكيل العلاقة بين دول العالم".

وفي السياق نفسه يرى رئيس مركز الخليج للأبحاث، الدكتور عبد العزيز بن صقر، أن النتيجة الأهم من خلف هذه العملية هي ما ستجنيه الإدارة الأميركية من زيادة نفوذها التجسسي، إن كان في الداخل أو الخارج عبر مشاريعها الخاصة، والتي يأتي في مقدمتها مشروع الطائرات من دون طيار. ويأمل ابن صقر ألا يكون هناك تورط من العرب والمسلمين في تفجيرات بوسطن. ويقول "لو ثبت هذا الاحتمال فلا يمكن لأحد أن يتوقع حجم المضايقات التي سيتعرض له المسلمون في أميركا أو العرب الأميركيون".

وفي المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، الدكتور خالد الدخيل ـ وعلى الرغم من تقليله من قوة الهجوم ـ أنه لا يلغي احتمالية ضلوع "القاعدة" في الأمر، منطلقا بذلك التحليل من تهديدات التنظيم بالثأر لمقتل زعيمه أسامة بن لادن، غير أن الدخيل ينظر إلى احتمالية تورط حركات يمينية متطرفة في الداخل الأميركي بتفجيرات بوسطن. ويقول "المتابع لخطاب أوباما – لم يستغرق إلا 4 دقائق-، يجد أن الرئيس الأميركي لم يستخدم مصطلح الإرهاب في توصيفه لما جرى هناك إلا في الخطاب الثاني حول الحادثة، وأن الجناة لا يزالون مجهولين.. الموضوع لا يزال يكتنفه الغموض، ونقص المعلومة تؤجل حسم هوية الفاعلين إن كانوا أفرادا أو مجموعات". ويأتي تقليل الدخيل من القوة التدميرية لتفجيرات بوسطن، بالنظر إلى عدد القتلى الذين سقطوا ولم يتجاوزوا 3 أشخاص. ويضيف "التفجير وقع في مجمع بشري ولم يقتل إلا 3.. هذا دليل على أنه ليس كبيرا".

وقال الخبير الأمني المتخصص في شؤون الحركات الجهادية، العميد محمود قطري، في تصريحات لـ"الوطن"، إن "الطريقة التي تم من خلالها تنفيذ التفجيرات هي نفس الطريقة التي يتبعها تنظيم القاعدة في تنفيذ عملياته، حتى لو لم تكن القاعدة هي التي نفذتها". بدوره، قال أستاذ العلوم الجنائية، الخبير الأمني اللواء رفعت عبد الحميد، إنه من المحتمل تورط عناصر تابعة لجماعات "إرهابية عربية"، في انفجارات بوسطن.. مؤكدا أن الانفجارين تم تنفيذهما في جزء من الثانية وكانت البداية من خلف ستارة الإعلام.