عقد وزراء خارجية الدول العربية يوم الأحد (1 سبتمبر) اجتماعاً لمناقشة مذبحة الغوطة، آخر فظائع النظام السوري في حق المدنيين، وأهابوا في ختام اجتماعهم، بالمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته. وكان الأمير سعود الفيصل على وجه الخصوص، مؤثراً وهو يعبر عن ألمه وألم العرب، ولكنه أشار إلى أن قدرة العرب على ردع النظام بمفردهم محدودة، ومن هنا جاء دعم مطالبة ممثلي سورية الشرعيين المجتمعَ الدولي بالتدخل.
فماذا يمكن للمجتمع الدولي أن يعمل في ضوء الفيتو الروسي الذي منع مجلس الأمن مراراً من التحرك؟
لننظر أولاً إلى التطورات الأخيرة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية، ثم نأتي إلى ما يمكن عمله.
تواترت الأدلة على استخدام النظام للغازات السامة ضد المدنيين، في أكثر من جبهة، بهدف كسر شوكة المقاومة ونشر الرعب في صفوف المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها.
وكان آخر الهجمات الكيماوية، وأكبرها حتى الآن، الهجوم الذي شنه النظام في منطقة الغوطة التي لا تبعد سوى عشرة كيلومترات عن دمشق.
وكشف دافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، لمجلس العموم يوم الخميس (29 أغسطس) أن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية (14) مرة على الأقل منذ بداية الأزمة. ويُظهر تكرار هذه الهجمات أن فشل المجتمع الدولي في معاقبة النظام قد شجعه على الاستمرار في هذا المسار.
وأوضح جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة، يوم الجمعة (30 أغسطس)، أن الهجمة الكيماوية على الغوطة، في 21 أغسطس، استُخدم فيها غاز (السارين)، وقتلت أكثر من (1400) مدني، بما في ذلك (400) طفل. ونشرت الولايات المتحدة كماً غير معتاد من المعلومات الاستخبارية التي تدين النظام على نحو لا يقبل الشك. بل أدان وليد المعلم بشكل غير مباشر نظامه في حادثة الغوطة، حين أعلن مسبقاً أنه لن يقبل بنتائج التفتيش الدولي، ما لم يشمل التفتيش مناطق أخرى تحت سيطرة النظام.
وسورية واحدة من خمس دول فقط لم توقع على اتفاقية الأسلحة الكيماوية، ولم تعلن عن رفضها لاستخدامها. ومنذ بداية الأزمة في عام 2011، لجأ النظام إلى تلك الأسلحة إما لإخراج المعارضة من بعض المناطق، أو لإضعاف روحهم المعنوية، أو لحمل المدنيين على الهرب ليسهل عليه بعد ذلك حرق وتدمير ما تبقى من معاقل المقاومة. وهذا ما حدث في الغوطة، التي استطاعت المعارضة تثبيت مواقعها فيها، وشن النظام حرباً شرسة فيها لإخراج المقاومة منها، من ضمنها الهجوم الكيماوي في 21 أغسطس، وما زال يحاول إخراجها بالأسلحة التقليدية.
وهناك إجماع دولي على حجم وطبيعة الجرائم التي تُرتكب في سورية، فتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من (100,000) مدني قد قُتلوا فيها حتى الآن، ووصفت لجانُ التحقيق ما يحدث في سورية بأنه جرائمُ ضد الإنسانية وانتهاكاتٌ جسيمة للقانون الدولي.
وتدريجياً تبدو قوات النظام السوري كميليشيات طائفية، تدعمها قوى حزب الله والنظام الإيراني، بمنطلقاتهما الطائفية أيضاً، وغير معنية بقوانين الحرب والمبادئ الإنسانية.
وبهذا السجل للنظام السوري، يستعصي على الفهم حقاً لماذا لم يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ الشعب السوري. بل اتضح خلال الأسبوع الماضي أنه ما زال ثمة من يرى أن يُترك الشعب السوري لمصيره، حتى عندما تتم إبادته بالغازات السامة كالحشرات. وهناك من يُبدي استعداده بالتدخل، ولكن بشرط موافقة مجلس الأمن الدولي. ولما كان مجلسُ الأمن معطلاً بسبب الفيتو الروسي، فإن ذلك يعني شللاً تاماً تجاه ما يحدث هناك.
ولكن هل فعلاً ليس هناك ما يمكن عمله؟ أليس هناك ما يستطيع المجتمع الدولي القيام به، بشكل قانوني ومشروع، لإنقاذ المدنيين في سورية؟
مَرَّ العالم بأزماتٍ مشابهةٍ في الماضي، واستطاع حلَّ بعضها على الرغم من شلل مجلس الأمن. أوضح الأمثلة هو كوسوفو عامَ 1999، فهناك أصرَّت روسيا، كما تفعل اليوم، على حماية صربيا من تدخل مجلس الأمن، وسمح العالم للجيش الصربي المتفوق عدداً وعدة بشن حرب إبادة ضد ألبان كوسوفو العُزل.
ولكن عدداً من الدول اتفقت، خارج مظلة الأمم المتحدة، على إنقاذ شعب كوسوفو من الإبادة، واستطاعت في نهاية المطاف وقف المجازر التي كان جيش صربيا يرتكبها هناك.
فهل يمكن تكرار مثال كوسوفو في سورية؟
السند القانوني الذي اعتمد عليه الحلفاء في كوسوفو هو حق "التدخل الإنساني" – وهو سند أصبح أكثر قوة منذ ذلك الحين. فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 مبدأ "مسؤولية حماية المدنيين"، وأخذ المبدأ مكانه تدريجياً بين مبادئ القانون الدولي الإنساني. فبين عامي 2005 و2010، تم الاعتماد عليه ثلاث مرات فقط لتبرير التدخل الإنساني. ومنذئذٍ أصبح المبدأ أكثر قبولاً، ففي عام 2011 فقط، تم استخدامه ستَّ مرات على الأقل في قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك أربعة قرارات لمجلس الأمن أصدرها بشأن ليبيا وجنوب السودان واليمن.
والمبدأ يستمد قوته من مُسلّمة معروفة، وهي أن سيادة الدولة ليست مطلقة بل محدودة بالنظام والقانون الدوليين، وأن القانون الدولي يصنف طائفة من الانتهاكات كجرائم دولية يُعدّ ارتكابها خرقاً للنظام الدولي القانوني والأخلاقي، ويُرتِّب مسؤولة جماعية على الدول لمكافحتها. ويشمل ذلك جرائمَ الإبادة العرقية، والجرائمَ ضد الإنسانية، والتطهيرَ العرقيّ، وجميع ما يدخل تحت تعريف "جرائم الانتهاكات الجماعية".
ومن الواضح أن مذبحة الغوطة في 21 أغسطس تقع تحت هذا التعريف للجرائم الدولية، ويجب أن يكون ذلك كافياً لتبرير التدخل الإنساني لحماية المدنيين، خاصة أنها ارتكتب باستخدام أسلحة كيماوية محرمة دولياً، وأن النظام كرر استخدامه لتلك الأسلحة.
وموافقة مجلس الأمن ليست ضرورية لمثل هذا التدخل، كما رأينا في كوسوفو وغيرها، بل يمكن تحالف مجموعة من الدول من داخل المنطقة (مثل تركيا والدول العربية) وخارجها لتحقيق ذلك.