انهمرت دموع أوباما كما قال عند مشاهدته قبل فترة فيلم "ذي باتلر" the butler الذي يتحدث عن شخصية رجل أسود يعمل "كبير الخدم" في البيت الأبيض، وقال أوباما معللا سبب دموعه بأنها لم تذرف لمجرد التفكير في كبير الخدم بل لأجل جيل كامل من الموهوبين والمهرة الذين لم يحققوا من آمالهم وطموحاتهم أي شيء بسبب قوانين الفصل العنصري والتمييز في عصر قد انقضى من التاريخ الأميركي، واشتهر الفيلم كثيرا وأحد أسباب شهرته مشاركة أوبرا وينفري في الفيلم.

العالم ينتظر من أوباما أكثر من انهمار دموعه، لأجل أجيال من السوريين لا يعانون من فصل عنصري بل يعانون القتل اليومي والتشريد والتهجير والإبادة بكل أنواع السلاح ومنها "الكيماوي"، وتجاوز بشار لكل الخطوط الحمراء التي وضعها البيت الأبيض له، وكأن هناك فرقا في طعم الموت عندما يكون بقذيفة أو بسلاح كيماوي! مع أن جيش بشار استعمل قنابل (النابالم) في حي جوبر الدمشقي وقنابل (فسفورية) في حلب، ومع ما تعنيه تلك الأسلحة إلا أنها قبل الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها بعد أن اعترفت أجهزة بشار بامتلاك الأسلحة الكيماوية، وقالت:"إنها أعدت لاستخدامها في الخارج".. ولم ير أحد استعمالها في هذا الخارج بكل تاريخ النظام منذ أكثر من 40 سنة، بل إنه في بلدة (سراقب) في أبريل 2013 قام أحد المصورين بتوزيع صور الفيديو الذي يظهر سقوط القذائف من طائرة النظام، وتبين أن القنابل كيماوية ليزداد التأكيد بأن هذا السلاح استعمل قبلها في (خان العسل) و(العتيبه) و(عدرا) و(حي الشيخ مقصود)، وأخيرا استيقظ العالم على مشاهد مجزرة كيماوية في (غوطة دمشق) في 21 أغسطس، ولم يستطع هذا العالم أن يقوم بالتجاهل وتغطية الوجه عما يحصل، فقد تجاوز النظام كل شيء في مواجهة شعبه الذي خرج قبل عامين ونصف العام بشكل سلمي مرددا هتافات مطالبة بالحرية من ربقة نظام دموي، وتحت تأثير مشاهد مجزرة الغوطة تحركت عواصف تصريحات غربية كان أهمها ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري: "إن هناك دلائل لا يمكن إنكارها حيال استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية"، أما وزير الدفاع تشاك هاغل فقال في تصريحاته لـbbc البريطانية: "إن القوات الأميركية جاهزة لشن ضربات ضد النظام السوري" وأكد أنه قام بتحريك وحدات عسكرية لتكون قادرة على تنفيذ الأوامر من الرئيس، وأضاف "إننا مستعدون للانطلاق، وواضح أن الأسلحة الكيماوية استخدمت ضد الشعب السوري".

وتوالت بعدها التصريحات الدولية -والأوروبية منها تحديدا- التي تدين أو تستنكر القتل بالسلاح الكيماوي في سورية، وإن كان موقف المشاركة الفعلية في ضربة أو حرب ضد النظام السوري يبقى في حدود أميركا وبريطانيا وفرنسا، وكلها لا تتحدث باهتمام عن العودة لمجلس الأمن لاستصدار قرار منه، حيث الفيتو الروسي والصيني بالمرصاد، إلا أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد أخذت منحنى مختلفا الأسبوع الماضي يمكن قراءته بلا صعوبة كبيرة، فبعد الكثير من التحذيرات الإنشائية من ضربة لقوات بشار قال لافروف: "إنه لا نية لبلاده لخوض حرب مع أحد".. وهذا التعبير قد يعد كافيا لتوصيف الموقف المستقبلي لروسيا.

أما الواضح في الموقف السعودي منذ بداية الأزمة فهو أنه مناصر بكل السبل وبشكل علني وعملي للشعب السوري، الذي يقاوم إبادة ممنهجة ومدعومة من خارجه، في ظل تحركات سعودية ملحوظة ومؤثرة على عدة محاور، وتأييدها المتنامي للائتلاف الوطني السوري، وفي العمل الميداني تضع في حساباتها الدقيقة نوع القادمين من خارج سورية، فالمملكة حذرة من زيادة تشكلات تعتبرها راديكالية خاصة بعد نهاية الأزمة، على اعتبار أن الغرب لن يضع قدمه عمليا على الأرض في نفس الوقت الذي يوجد فيه جيش منظم متكامل مُعلن من خارج سورية ويحارب الشعب إلى جوار النظام وهو (حزب الله اللبناني)، الذي تُطرح اليوم أسئلة عن معتقد الحرب لدى هذا الجيش الذي سوقه خلال عدة عقود ولم تجد إسرائيل منه كل هذه الضراوة التي يُقاتل بها السوريين اليوم.

وما تواترت به الأخبار والتحليلات والأدلة عن تدخلات إيرانية ضد الشعب السوري فاقت إمكانية النفي والتجاهل، ولا غرابة أن تزداد التحذيرات الإيرانية من شن أي هجوم على النظام الحليف لها في دمشق، وإن كانت قد ظهرت مؤخرا أصوات خافتة ولكنها مسموعة داخل إيران لا تصف الجيش الحر (بالإرهابي)، وقد تكون تنتظر المزيد من الأوامر بالكلمات المنطقية، خاصة إذا وضع في الاعتبار أن الغرب عندما يوجه ضربة أو يدخل في حرب مع النظام القاتل في سورية فهو كذلك يوصل رسالة باستعادة المبادرة في الشرق الأوسط، وأن التلويحات الكثيرة بالمناورات والصواريخ البالستية الإيرانية (فارغة الرأس) لن تجدِ كثيرا إلا في الإعلام إذا قورنت بصواريخ متطورة ومتقدمة جدا، وهذا ما تفهمه العمامة الإيرانية، ويجعلها لا تحرص على حرب شاملة وهي آخر وأصعب وأخطر السيناريوهات.

ووسط هذا الدعم الروسي والإيراني لنظام بشار فإن الأصوات المناوئة للتدخل الغربي ستخف ما دام يحقق المصلحة لشعب يباد، كما تم غض الطرف سابقا عن التدخل الأميركي -وسط أوروبا- لنصرة المسلمين في البوسنة والهرسك التي انتهت بتوقيع اتفاقية دايتون للسلام عام 1995. إن الكثير في العالم لا ينتظر انهمار دموع أوباما على فيلم (كبير الخدم) بل ينتظر انهمار صواريخ كروز وتوماهوك على أسلحة تقتل شعبا وتبيده.