إغراءات دخول الطب تعتمد في الغالب على حافزين هما: أولاً البرستيج (Prestige) المكانة الاجتماعية؛ فالطبيب هو الحكيم وهو ساحر القرية القديم، الكل يسعى له والكل يحترمه والكل يحتاجه يوما ما لاريب فيه.

والأمر الثاني المال، فالأطباء عادة يأخذون أجورهم من السقف العالي في أي مجتمع خاصة الرأسمالية مثل أمريكا وأوروبا وأقل درجة في كندا والبلاد الاشتراكية أو في بلد مترد مثل كوبا عند كاسترو.

يجب على لجنة قبول هذا الشاب لدخول معمعة الطب الاعتراف بهذين الدافعين القويين كمكافأة على عمله، ولكن تأتي الواجبات مقابل الحقوق فما هي واجبات الطبيب؟ هل هو واع لهذين الاتجاهين في قائمة التوازن بين الحقوق والواجبات.

ويجب عرض قسم أبو قراط على الطالب للاطلاع عليه أنه سيكون شرفه المهني للمستقبل، وكذلك دراسة مجموعة من المفكرين والفلاسفة من الأطباء وهم كثر. وبذلك يمكن الاطلاع على حياة هذا الرجل أي "أبو قراط" والأطباء العظام الآخرون مثل جالينوس وفيزاليوس وابن سينا وابن الهيثم والزهراوي وابن النفيس بل والسهروردي كما جاء في كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة الدمشقي في طبقات الأطباء حتى يكون على بينة من الأمانة الثقيلة الموضوعة بين يديه في تطبيب الإنسان، مقابل اعتراف المجتمع به أنه من الرتبة العليا ويدفع له من الأجر من سقف سلم الرواتب.

كما يجب في المتقدم لدراسة الطب أن تجلس معه لجنة تحاوره بهدوء، تستكشف معالم شخصيته، وهي ليست نهائية، ولكن لابد منها من أجل رحلة البدء؛ فيها مثلا استعداد الشخص أن يبقى لصيق الجثة في التشريح والهيكل العظمي لمدة عام كامل للإمساك بعلم التشريح؟

أنا أعرف أناسا هربوا منذ أول مواجهة مع أول جثة، وأنا شخصيا أصبت بصدمة كبيرة هربت فيها من قاعة الجثث هائما على وجهي أبكي، وكانت الجثة لامرأة بيضاء اللون بقينا نقطع فيها ونكتشف ممرات الأعصاب ومسارب الأوعية وارتكازات الأوتار وتراكب العظام حتى لم يبق منها في النهاية إلا بقاياها وهي رميم، لم تكن تشكو من البرد والعري وعمل مقصاتنا ومشارطنا في جسمها النحيل الرقيق.

كانت مستسلمة كلية للقدر الكوني ونحن نتعلم من موتها حياة جديدة؟

وأضيف إلى أنه لابد من فترة تمهيدية قبل دخول الطب النهائي، نحن مثلا احتجنا عاما كاملاً يسمى (BCB) وفيها يدرس العلوم البيولوجية وعلم الخلية وما شابه، وسمعت عن ألمانيا أنها مرحلة تطول ثلاث سنين دأبا وبعدها امتحان، فمن رسب لا دخل الطب ولا شم رائحة الجثث في حوض الفورمالين؟

بل إنني أقترح دورة سريعة من ثلاثة أشهر قبل عرض الشاب على لجنة التقييم منها زيارة المعاهد الطبية على الأقل في البلد الخاص به، والأفضل زيارة معاهد طبية في بلاد متقدمة أوروبية أو اليابان أو كندا وما شابه، حتى يتهيأ تماما لدخول رحلة الطب الطويلة الممضة الممتعة كأشرف المهن على الإطلاق، فكل المهن تعمل على حقل خارج الإنسان أما الطب فهو يعكف على الإنسان بذاته فيكون بذلك قلب المهن ومهنة كل المهن!

أعرف أن كلماتي هذه ستزعج فريقا وتنبه فريقا؟!

إنها أفكار وليست قرارات أضعها بين يدي المهتمين وأصحاب القرارات.