بما أننا في زمن ظهور أنماط مختلفة من البشر لدرجة أنه يصعب التخمين متى وكيف أصبحوا على هذا النمط المريع من التحول من الكينونة الإنسانية النقية إلى كيانات ممتلئة بالشر والغباء والعدوانية. بمعنى آخر؛ تزايد ظهور نماذج بشرية لا يمكن وصف بشاعتها مما يستدعي صورة "الإنسان الصرصار" للكاتب الروسي دوستويفسكي، الرواية التي كانت أحد أفضل روايات الأدب العالمي، التي يصور فيها أننا بالفعل فقدنا صلتنا بالحياة إلى درجة أننا لا نملك أحياناً إلا أن نشعر بالاشمئزاز.
ومثلها إنسان رواية كافكا "المسخ". ماذا نريد؟ الآن من مرحلتنا الإنسانية؟ بعد أن ظهر لنا الإنسان الصرصار، الإنسان المسخ، الإنسان الوحش، الإنسان الذئب..؟ إننا نوشك الدخول إلى عالم جديد آتٍ بأسلوب جديد من الحياة وقيم جديدة، وبشرية جديدة تقرَع على أبواب الحياة. أو كما قال "أوشو" نحن ماضون قدُماً في التحضير لحروب جديدة بينما نوهِم أنفسنا بالحديث عن السلام. يبدو أنه ما لم نغيّر سيناريو حياة الإنسان بتفاصيله، ما لم نمنح الإنسان أسلوب عيشٍ جديد تماماً يساعد في جعله إنساناً بالمعنى الحقيقي فلن ننجو.
لآلاف السنين لم نفعل شيئاً سوى الحديث عن السلام وشنّ الحروب. إننا نقاتل بعضنا باسم السلام، فقد خُضنا أعظم الحروب باسم السلام. ماضينا هو ماضي الدمار، وقد كان باستطاعة الإنسان أن يخلق جنة الله على الأرض لو أنه سخّر الطاقات التي استخدمها في الحرب، لأجل الإبداع والمحبة، لكننا لم نفعل.
لكن المسألة ليست مسألة تغيير السياسات والحكام أبداً، وليست تعليم الناس كيف يحبون بعضهم، فجميع هذه الأشياء تم تطبيقها في الماضي وجميعها كان الفشل مصيرها.
هناك شيء أساسيّ خاطئ… شيء من الجذور متعفّن. الإنسان منشقّ على نفسه لقد قاموا بتقسيم الإنسان لأعلى وأدنى، لجيّد ورديء، لأرضي وسماوي، لمادي وروحاني. لقد صنعوا حاجزاً داخل الإنسان، ومنذ ذلك الحين بدأت الحرب الداخلية ولم تنته بعد. الجميع يقاتل نفسه ويتصارع مع نفسه، وحين يفوق ما يحدث، قدرة احتمال الإنسان فإنه ينقل الصراع للخارج، يأخذ القتال معه إلى العالم فيقاتل غيره. إنّ الحرب هي الشيء الوحيد الذي ظلّ الإنسان متورطاً به من بداية اللابداية. يبدو أن الدمار له جاذبية كبيرة جداً، ويبدو القتل والجرائم وكأنها هدف العقل البشري. لقد قام الإنسان بخمسة آلاف حرب خلال ثلاثة آلاف سنة.
أي جبال هي تلك التي تتداعى؟ أهي الجبال الرواسي، أعمدة الأرض؟ أم جبال الروح؟ أم جبال القيم والنواميس التي صاغت روح الإنسان على مر العصور والأزمان؟