الغالبية من رجال الأعمال في بلادنا، لا ينظرون إلى المشاريع التنموية ذات النظرة المستقبلية والعوائد الربحية طويلة المدى، والاستثمارات الخاصة في بلادنا تنظر إلى العوائد السريعة التي تغطي رؤوس الأموال في أقل مدة زمنية، ويرى البعض أن الاستثمارات التي تغطي تكلفتها بعد عشر سنوات هي استثمارات طويلة المدى ولا جدوى فيها. ويرى البعض أن المتاجرة في الأراضي والأسهم والعملات والعقار والسيارات هي الأجدى لمضاعفة أرباحهم، وأن المشاريع طويلة المدى هي من مسؤولية الدولة أو شركات الدولة أو الشركات المساهمة وهو اعتقاد خاطئ، ولا أود أن أخوض في التفاصيل لإثبات ذلك وإنما سأطرح اليوم أحد المشاريع التنموية الأساسية ذات الاحتياج الآني والمستقبلي وذات العوائد المتعاظمة سنوياً والتي تحظى بدعم ومساندة من الدولة تشجيعاً للمستثمرين في هذا المجال، وهو مجال الاستثمار الصحي والذي قدمت وتقدم فيه الدولة ممثلة في وزارة الصحة، مشاريع عملاقة.
وبناء على توجيه خادم الحرمين الشريفين مؤخراً باعتماد 15 ملياراً و100 مليون ريال لإنشاء 22 مشروعاً صحياً منها 19 مجمعا طبيا ومستشفى و3 مراكز لاضطرابات النمو والسلوك للأطفال، كأول مراكز أنشئت في المملكة تعنى بهذه الفئة وتوفر الخدمات لمرضى التوحد ومرضى فرط الحركة وغيرهم.
وبناء على التوجيه السامي لوزير الصحة، فقد تمت الموافقة على إنشاء شركة للاستثمارات الصحية يملكها صندوق الاستثمارات العامة، ويتم بشكل عاجل بحث تفاصيل الشركة، بما في ذلك جدواها الاقتصادية وأهدافها ونشاطها وآلية عملها بين صندوق الاستثمارات العامة ووزارة الصحة، وعلى رغم أنها لم تظهر بوادرها حتى الآن إلا أننا نتطلع إلى دورها المستقبلي، وهو توجه صحيح تسير عليه الدولة لدعم الخدمات الصحية وتوفيرها للمواطنين.
وفي مدينة جدة التي تعاني من نقص كبير في الأسرة في المستشفيات العامة والخاصة، على رغم أن هناك مشاريع جديدة منها مستشفى شمال جدة تم الانتهاء منه تقريباً بسعة 500 سرير بتكلفة تزيد على 250 مليون ريال، وفي شرق مدينة جدة مستشفى آخر بسعة 300 سرير وبتكلفة تزيد على 200 مليون ريال، وهو في المراحل الأخيرة من الإنشاء، بالإضافة إلى مراكز ووحدات صحية منتشرة ومراكز بحث صحي ورعاية، إلا أنه ـ وللأسف الشديد ـ نتيجة النمو السكاني والهجرة السكانية واعتماد المدن في منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة على الخدمات الصحية الحكومية والخاصة، بقيت الحاجة، وفي مدينة جدة لوجود الإمكانات المتطورة والسعة الأكبر والخدمات المساندة للمرافقين للمرضى.
ويقال إنه ضمن الخطة الثانية للخدمات الصحية في مدينة جدة، هناك مستشفى للأمراض النفسية بسعة 500 سرير، حيث تم اعتماد مبلغ 250 مليون ريال لتنفيذ المشروع، وإنشاء مستشفى جديد للولادة والأطفال بسعة 500 سرير في شمال جدة، ومستشفى للعيون بجدة بسعة 200 سرير، وحسب المعلومات المتوافرة فإن مدينة جدة بحجم سكانها وزوارها تحتاج إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة سرير، والمتوافر فيها حالياً 1500 سرير في القطاع العام والخاص ليكون العجز حوالى 2000 سرير، ولم يستطع القطاع الصحي الخاص أن يسهم في سد العجز، ولم تتطور المستشفيات الخاصة بما تتطلبه السوق، ولم يتحفز المستثمرون السعوديون والأجانب لمزيد من الاستثمارات في بناء المستشفيات الخاصة، نتيجة المعوقات والبيروقراطية في منح التراخيص والحصول على التمويل وصعوبة الحصول على الأراضي، رغم أن الدولة ـ مشكورة ـ قد ضاعفت قيمة القروض من 50 مليونا إلى 200 مليون، وهذا من المفترض أنه سيسهم في مزيد من الاستثمارات في المجال الصحي.
أتمنى على الدولة تمديد فترة السداد للقروض الصحية إلى 25 عاما، لأنها تعد ضمن المشاريع التنموية طويلة المدى في الاستثمار، وتقييم تجربة المشاريع الصحية الحالية ومعالجة المعوقات التي تواجهها وتواجه إنشاءها. إن مدينة جدة كانت تعد مركز الخدمات الصحية الخاصة المتطورة، وكانت المستشفيات الخاصة فيها أحد عوامل الجذب لزيارة مدينة جدة كمشفى للمرضى ونزهة للمرافقين.
وتحية للرواد الذين استثمروا في المستشفيات الخاصة منذ عشرات السنين في جدة، ومنهم الدكتور عبدالرحمن بخش، رحمه الله، والدكتور سليمان فقيه، شفاه الله، والدكتور أحمد داغستاني، رحمه الله، والدكتور عاكف المغربي، والدكتور وليد فتيحي، ومن رجال الأعمال المخلصين لوطنهم الشيخ عبدالرؤوف أبوزنادة، والشيخ صالح كامل، والشيخ محمد عبود العامودي، والشيخ علي بقشان، والمهندس صبحي بترجي، والشيخ شالي الجدعاني، وغيرهم من الرواد.
إن مما يلاحظ على الاستثمارات الخاصة في المستشفيات الخاصة بمدينة جدة النمو البطيء جداً، وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة دقيقة للتعرف على الأسباب، ولذا أوجه رسالة إلى رجال الأعمال للتكتل لإنشاء شركات مساهمة متخصصة لبناء وتشغيل المستشفيات الخاصة في المملكة، وهي دعوة لشركات التأمين الصحي لاستثمار رؤوس أموالها أو مضاعفتها للاستثمار في إنشاء مستشفيات ومراكز صحية متخصصة.
إن عوائد الاستثمار الصحي ـ مع زيادة الطلب عليه ـ عوائد مغرية جداً رغم جميع الصعوبات، وإن مدينة جدة تعاني في الوقت الحاضر من عجز كبير جداً في المستشفيات والمراكز الصحية. ولو جاز لي الاقتراح لطلبت من البنوك والبلديات تجميد التمويل والتصاريح للأسواق التجارية موقتاً والتي أصبحت في كل شارع في جدة، وتشجيع إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية وإعطائها أولوية.
إن معاناة المرضى الذين في أمس الحاجة للحصول على أسرة في غرف الإنعاش، تُواجه بالعجز نظراً لشغور معظم أسرة العناية المركزة في المستشفيات، نتيجة ارتفاع الطلب عليها، ونتيجة استخدام وزارة الصحة نسبة كبيرة من أسرة الإنعاش في المستشفيات الخاصة، نظراً للعجز في المستشفيات الحكومية، وهي قضية سيعاني منها المجتمع حتى تنتهي المشاريع الجديدة ويهتم القطاع الخاص بالاستثمار في المجال الصحي.