-1-
السيد حسن نصر الله.. زعيم "حزب الله".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. والحمد لله الذي اسمعنا صوتك "الجهوري الصدّاح"، في الدفاع عن النظام السوري الدكتاتوري القاهر، والظالم لشعبه، وأمته، ودينه.
لقد كانت كلمتك، التي أذاعتها بعض الفضائيات، في هذه المناسبة، وكررتها في نشرات الأخبار، من الخطب العربية العصماء البليغة، التي أذكرتنا بأيام الستينات ومطلع السبعينات، ونشوات النصر الزائف - للأسف - عندما كنا نهزم إسرائيل بخطبة عصماء، وندحر الاتحاد السوفيتي المنهار بقصيدة حماسية، ونقضي على أمجاد الإمبراطورية الأميركية بكلام البلغاء.
فـ"سحر البيان العربي"، هو سلاح هذه الأمة المهزومة منذ أمد طويل، وإلى الآن، ولا سلاح غيره، ومن هنا، كانت الهزائم، والانكسارات، والنكسات، والعثرات، قدر هذه الأمة.
-2-
كنتُ أستمع إلى خطابكم أيها الشيخ، وأنت تهدد وتتوعد أميركا ودولا أخرى. وهذا كلام جميل، وبليغ، وحماسي، ومثير، ومُسعد، ومدغدغ للأحاسيس العربية المُستثارة هذه الأيام، كما لم تُستثر في أي وقت آخر.
كنتُ أستمع إلى خطابكم الذي أعلنت فيه أن الأيام القادمة هي أيام الحسم لصالح النظام في سورية. وكنتُ في الماضي وفي نهاية القرن العشرين، أستمع إلى خطابكم الحماسي الناري المثير، وأنا أرى مئات الآلاف من الجموع يتظاهرون بكل حرية في شوارع بغداد، وينادون بسقوط أميركا وبريطانيا، وبخروجهما من العراق، وبالهتاف ضد الرئيسين بوش وبلير، دون أن تُطلَق عليهم رصاصة واحدة، أو يجلدون بكرباج واحد، أو يعلقون من أرجلهم كالماعز استعداداً لسلخهم. وكان ذلك، هو أول درس من دروس الحرية والديموقراطية الذي نريد أن نتعلمه من أنفسنا بأنفسنا، وندرج عليه، ونحفظه جيداً، ولا ننساه.
كنتُ أستمع إلى خطابكم، وأنا أتحسر على هذا الوقت الضائع، وعلى هذا الكلام العاطفي اللاعقلاني الإنشائي الذي تبيعون به وتشترون، في هذه المناسبات.
فأنت لم تقل لنا كيف سيبقى حُكم بشار الأسد في المستقبل، وكيف سيحكم شعباً قتله هو نفسه، وبيده؟
-3-
كنا ننتظر منكم ـ أيها الشيخ ـ في خطابكم، أن تُعلّم مستمعيكم كيفية احترام الحرية والديموقراطية والإسهام فيهما، والعمل على بناء المجتمع المدني الحديث، بعيداً عن التعصب، والتزمت الديني، والعرقي، والفكري، والحزبي، والطائفي.
كنا ننتظر منكم أن تحدثهم بهدوء، وبالعقل، وبالمنطق، كيف يمكن لنا أن نُخرج سورية من الظلمات إلى النور، وذلك بالإسراع في تحقيق الديموقراطية، وبتكاتف شعب سورية كله من أجل بناء سورية الجديدة لكل طوائفها، وأعراقها، وأحزابها. وبإقامة المجتمع المدني، وبإنهاء تسلّط المؤسسة العسكرية، والحزب الواحد، والقائد الواحد، والفكر الواحد. وبالإيمان بالتعددية وقبول الآخر، فعلاً لا قولاً، وعقلاً لا عاطفة، وإيماناً لا رياءً، ودستوراً لا خطبة نارية رنّانة.
-4-
إن دولة الأسد أيها الشيخ لم تحتل سورية بالخطب الحماسية الرنّانة، ولن تستمر بالحكم بهذه الخطب أيضاً!
فليس لنا من طريق سليم ومنهاج قويم، غير العقل، والتخطيط، والعلم، والعمل، والقوة.
وبهذه الأدوات فقط، نستطيع تحقيق ما نصبو إليه، في المنطقة كلها. وهذه الأدوات تتجلّى في بناء مجتمع مدني منتج، له صناعته، وله تجارته الزاهرة، وله علمه وعلماؤه الكبار. كما تتجلّى هذه الأدوات التي نستطيع بها تحقيق قسط كبير من الحرية والديموقراطية في بناء كيان علمي وثقافي رفيع لخدمة المجتمع المدني، وليس لخدمة العسكرتاريا التي كانت تحكم معظم أنحاء الوطن العربي، وبالتخلّي عن كل ما يهدد السلام الإقليمي والعالمي، والتخلّي عن بناء الجيوش "الجرارة"، التي لم تُثمر غير الهزائم المتلاحقة، والميزانيات المالية الماحقة.
وانظر حولك في العالم العربي الآن، لترى ما يجري!
-5-
إذن، لا بُدَّ لنا من عصر عربي بديل.
فكيف لنا أن نأتي بالعصر العربي البديل هذا؟
إن العصر العربي البديل يستدعي توفير الجهود المهدورة في الخطب الرنانة، وفي سحر البيان العربي – بضاعة العرب الرخيصة والسهلة والمدمرة – والانصراف إلى البناء والعمل الجاد والمخلص، وبصمت اليابانيين والكوريين والألمان الفاعل.
فاليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية وغيرهم، لم ينهوا عصر الظلام، ويستبدلوه بعصورهم الوطنية التي فيها سحر البيان، وزبَد الخطباء، وبالوقوف على المنابر وإطلاق الحناجر، مهددين متوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، ولكنهم رجعوا إلى أنفسهم، وانقلبوا إلى داخلها، وبدؤوا العمل العلمي والصناعي العقلاني الواعي.
فلنبدأ أيها الشيخ من هنا.
فمن هنا نبدأ. ولا بداية غير هذه البداية.