تشهد العاصمة الرياض اليوم وغدا، أعمالَ الملتقى الاقتصادي السعودي السوداني، الذي ينظمه مجلس الغرف السعودية؛ للتباحث في كيفية تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وبهذه المناسبة أجرت "الوطن" حوارا مع وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، أثنى فيه على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز بتشجيع الاستثمار العربي في السودان، قائلا: إنها تجيء امتدادا لمواقفه الطيبة مع الشعب السوداني، كاشفا النقاب عن مئات الفرص الاستثمارية التي يحملها وفده لعرضها على رجال الأعمال السعوديين في مجالات مختلفة مثل: الزراعة والصناعة والتعدين والخدمات، مشيرا إلى أن قانون الاستثمار الجديد الذي أعدته حكومة بلاده مؤخرا يقضي على كل السلبيات والمثالب التي كانت تقف دون تدفق الأموال الخليجية. وعن علاقة حكومته مع إيران، قلل إسماعيل من تلك العلاقة، لافتا إلى أنها علاقات سياسية فرضتها الظروف المحيطة بالمنطقة، وأن التعاون الاقتصادي بين الخرطوم وطهران ضعيف ولا يكاد يذكر. مشيرا إلى أن العلاقات مع الدول الخليجية "تاريخية وأزلية"، وهناك روابط قوية جدا كاللغة والجوار والمذهب. فإلى تفاصيل الحوار:
فرصة تاريخية
مبادرة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة بتشجيع الاستثمار العربي في السودان تمثل فرصة تاريخية للحكومة السودانية، إذا أحسنت استغلالها، وأزالت المخاوف القانونية والإدارية التي تدور في رؤوس بعض رجال الأعمال، ماذا تم في هذا الخصوص؟
بداية نشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ أطال الله عمره ـ هذه المبادرة الطيبة تجاه السودان، التي تجيء بمنزلة نفحة طيبة من شخصية كريمة ذات وزن كبير في المنطقة، ونحن بدورنا أشد حرصا على إنجاحها، وقد عملنا وما زلنا نعمل بكل جد وجهد على الاستفادة من هذه المبادرة، وإنزالها على أرض الواقع من خلال الإعداد الجيد للمشاريع التي لدينا منها كمٌ مقدر وجاهز للاستثمار في أكثر من 10 مجالات مختلفة، على رأسها الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والصناعات التحويلية والنقل والتعدين والنفط والإنشاءات والخدمات والقطاعات الصحية والتعليمية والخدمية وغيرها. وقد عملنا على إزالة المعوقات، وتقديم تسهيلات كبيرة للمستثمر السعودي، وتم إعداد قانون جديد لتشجيع الاستثمار يعالج كل السلبيات السابقة، وفي هذه المساحة دعني أرسل رسالة للمستثمر السعودي أقول فيها: نحن ندعوهم للاستثمار في السودان ونعدهم بتوفير كل المطلوبات، وإزالة المعوقات كافة، وستكون لهم أولوية تحت مبادرة الملك عبدالله، ونحن على استعداد لتقديم التسهيلات المطلوبة، وأقول لهم مقدما: "مرحبا بكم في داركم".
استراتيجية بمستويين
ما الاستراتيجية التي تتبعونها لتشجيع الاستثمار؟
استراتيجيتنا تقوم على مستويين، داخلي: نهدف فيه إلى العمل على ترقية مناخ الاستثمار، وإعداد بنية هيكلية ممتازة للاستثمار على المستويين المركزي والولائي، كما نهدف إلى تشجيع الاستثمار الداخلي بتحفيز رجال الأعمال الوطنيين بتقديم فرص وتسهيلات تساهم في رفع مستوى الاستثمار الداخلي. أما على المستوى الخارجي: فنعمد إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والترويج للاستثمار في السودان، وذلك من خلال آليات مختلفة كالملتقيات، والمعارض، والمنتديات، والورش، والأفلام التعريفية والترويجية، ومن خلال اللقاءات الثنائية، والمؤتمرات الفئوية لرجال الأعمال والمستثمرين والمهتمين، وكذلك من خلال وسائط الإعلام المختلفة كالقنوات الفضائية، والإذاعية، والمواقع الإلكترونية وغيرها من الآليات التي تقودنا نحو تحقيق الهدف المنشود.
هل ترى أن الوضع الأمني الحالي يشجع على الاستثمارات بالبلاد؟
نعم، وإلى حد بعيد، فالوضع الأمني حاليا جيد جدا، والاستثمارات تتدفق على البلاد، ولم يتأثر أي مشروع استثماري بالوضع الأمني، فالسودان يكاد يكون مستقرا في أغلب أرجائه، وإن كانت هناك مناوشات قليلة تحدث فهي بعيدة جدا عن المناطق المطروحة للاستثمار، وهناك إقبال كبير من الحركات المسلحة على الاستقرار والسلام، وقد وقَّعنا الأسبوع الماضي اتفاقية سلام مع أكبر الحركات المسلحة في دارفور وهي حركة "العدل والمساواة" على هامش مؤتمر المانحين لدارفور بالدوحة، وأعتقد جازما أن المشاريع التنموية والاستثمارية ستساهم مساهمة كبيرة ومباشرة في إحلال السلام الشامل في كل ربوع البلاد بإذن الله.
معالجة السلبيات
يشكو بعض المستثمرين العرب من كثرة الرسوم الإدارية والجبايات التي تفرض عليهم من الولايات والمحافظات التي يعملون فيها، هل وضعتم ترتيبات لإزالة تلك الازدواجية؟
كما أشرت سابقا، نحن في حقبة جديدة للاستثمار في السودان، وجئنا برغبة أكيدة لمعالجة كل سلبيات التجارب السابقة في هذا المجال الحيوي المهم، وقد شرعنا في العمل في هذا الاتجاه منذ أول يوم تقلدنا فيه هذا التكليف، ووصلنا مرحلة متقدمة جدا في هذا الخصوص. هناك عمل منسق بين المركز والولايات حول تحديد الأدوار والصلاحيات، كما أن قانون الاستثمار الجديد يحدد بالتفصيل صلاحيات كل جهة، وهناك جزئية تتحدث عن الرسوم والضرائب وكيفية دفعها، بحيث تم إلغاء الكثير منها ولم تبق إلا الرسوم الحتمية التي تدفع مقابل خدمات ملموسة، كما أن تسديد الرسوم سيكون عبر نافذة موحدة، بحيث توفر على المستثمر الوقت والجهد، وتمنع عنه الازدواجية والتكرار، وستكون هناك لجان وأجهزة مختصة لمراقبة ورصد أي مخالفات في هذا الشأن، ومن ثم تتم المحاسبة والتوجيه الصحيح.
الأولوية لدول الخليج
أثار التقارب السوداني الإيراني خلال المدة الماضية مخاوف دول خليجية، ألا تخشون أن يؤثر هذا التقارب على علاقاتكم مع تلك الدول، أو أن يؤثر على جهودكم لجذب الاستثمارات؟
علاقاتنا مع إيران لم ولن تطغى على علاقاتنا مع دول الجوار العربي، فعلاقتنا مع طهران ليست محورية، ولا تعدو كونها علاقة إقليمية تمليها العلاقات الدولية، فليس هناك تحالف أو علاقات استراتيجية كما يروِّج لذلك البعض، ولا أذيع سرا إذا قلت إن السودان فيه استثمارات من أغلب الدول في المنطقة عدا إيران. وقد وضع القدر بلادنا في موقف غريب؛ فإيران تتوجس من قوة علاقتنا مع العرب ودول الخليج على وجه الخصوص، وإخوتنا العرب لديهم تحفظات على علاقة الخرطوم بطهران، رغم أن كفة علاقاتنا معهم هي الأرجح والأكبر، والحكومة الإيرانية تعلم جيدا أن علاقتنا مع دول الخليج هي علاقة تاريخية وأزلية وبيننا عرى لا تنفصم، وهناك روابط قوية جدا كاللغة، والجوار، والمذهب. وأختم في هذا المقام بالقول: إن حجم التبادل التجاري مع إيران لا يقارن مع ما هو موجود بيننا وبين أقل دولة عربية.
دعوة للاستثمار
جمعكم لقاء قريب مع الأمير الوليد بن طلال، ماذا تمخض عنه؟
الوليد بن طلال شخصية اقتصادية مرموقة ورائدة في مجال الأعمال، وله اسم كبير في دنيا الاقتصاد، وقد جاء اجتماعنا معه في إطار حرصنا بعد تولي ملف الاستثمار في الوصول إلى الجهات والأسماء التي نحسب أنها يمكن أن تقدم لنا الكثير من المشورة والخبرة التي تتمتع بها، ونقلنا له سياستنا ورؤيتنا، وقدمنا له الدعوة للاستثمار في السودان في ظل التطور الذي حدث في هذا الملف، لا سيما بعد انتفاء كل المعوقات السابقة، خاصة وأن سموه كانت له استثمارات سابقة في الخرطوم لم يحالفها التوفيق، وقد وعد سموه بالتفكير الجاد وطرح هذا الملف على مستشاريه في مجموعة شركات المملكة القابضة، مؤكدا رغبته في الاستثمار في السودان إذا عولجت السلبيات السابقة، وحدد مجالات معينة كالفنادق والمنتجعات والقرى السياحية والإنشاءات وغيرها.
الواقع والطموح
كيف ترون حجم ومجالات الاستثمارات السعودية في السودان؟
حجم الاستثمارات السعودية في السودان دون الطموح ودون مستوى العلاقات بين البلدين، فقد بلغ عدد المشاريع الموقعة 590 مشروعا برأس مال يبلغ 11 مليار دولار، ولم يتم تنفيذ سوى 62 مشروعا برأس مال بلغ مليار دولار فقط، وهذا الرقم دون الطموح، وسنعمل على تفعيل كل الاتفاقيات الموقعة ومعالجة الصعوبات كافة، مع تقديم حوافز أكثر ووضع مبادرة خادم الحرمين الشريفين في الحسبان. هناك مشروعات تم تنفيذها بالفعل في السودان في مجالات الزراعة والمصارف وصناعة الأسمنت والسكر، والدواجن. كما دخلت الاستثمارات السعودية حديثا في مجال التعدين، وسيكون هناك في القريب العاجل تعاون في مجالات المطارات والإنشاءات، وهناك كثير من الأسماء الاقتصادية البارزة لرجال الأعمال السعوديين العاملين في السودان.