صحيح أن الإنسان مفطور على الخير انطلاقاً من الفطرة الإسلامية وفق الحديث الشريف: "... فأبواه يهودانه أو ينصرانه.."، وهنا ووفق هذا الحديث فالتعلم هو الذي يصبغ شخصية الإنسان ونفسه وروحه.. فأمام الإنسان طريقين، طريق للخير يوفقه الله له وطريق للشر من نفسه والشيطان.. وأعرف أن تزكية الإنسان لنفسه لا تجوز "فلا تزكوا أنفسكم" النجم آية 32.

وعندما أقول تعلمت لا يعني أنني قد اكتسبت هذه الصفات، ولكن يعني الحرص بقدر الإمكان عليها. وأسأل الله أن نحمل جميعاً هذه الصفات الجميلة والمبادىء السامية والمثل العليا والأخلاق الحميدة.. وهذا شيء طبيعي أن نحملها كمسلمين وغير الطبيعي ألا نكون كذلك..

وإلا لماذا نحن مسلمون؟.. ولهذا فقد تعلمت:

1- أن أكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة.. عندما تعرض مشكلة ترى البعض يحاول أن يكون جزءاً من المشكلة يعقدها.. بالبحث عن المعوقات لا عن ما يزيلها.

2- تعلمت أن أبتسم حتى في الظروف الصعبة والمواقف المستفزة.. التبسم صدقة.. وقد وجدته يسحب أسلحة الذين يواجهونك بمواقف متشنجة في غالب الأحيان.. البسمة تضفي على اللقاء حميمية وتجنب الكثير من الجدل المتوتر وقد تجنب الكثير من المشكلات المتوقعة.

3- تعلمت أن أتسامح حتى مع المسيء.. وقد وجدت أن المسيء يعود إلى التسامح حتى ولو بعد زمن.. والتسامح تكتنفه البركة.. وفقاً لدعاء الرسول، صلى الله عليه وسلم، للمتسامح، حيث قال عليه الصلاة والسلام "بارك الله في من كان سمحا إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحا إذا اقتضى"، فأينا لا يريد أن تكتنف أفعاله البركة؟

4- تعلمت أن أنظر إلى الجوانب الإيجابية في الناس والأشياء.. هذا يحقق لي الرضا والصفاء وراحة البال.. جربوا أن تثنوا على جانب إيجابي صغير عند موظفٍ في مكتبك أو طفلٍ أو شابٍ في منزلك.. وانظروا إلى كمية السلوك الإيجابي الذي يطرأ على هؤلاء بمجرد ألا نذكر سلبياتهم ولكن نركز على إيجابياتهم.. ويقول علماء النفس إن الثناء على الإيجابيات يثريها في الإنسان وفي نفس الوقت يقلل السلبيات ويلاشيها.. وقد ذكرت مراراً أنني طلبت من أستاذي المشرف على أطروحة الدكتوراة أثناء دراستي أن يوجه لي بعض النصح بحكم خبرته وسنه.. وقال لي عبارة واحدة فقط.. نصيحة واحدة فقط تكتب بماء الذهب.. قال لي: "انظر إلى الجوانب الإيجابية في كل من حولك ".. وقال أحد الحكماء "أستطيع أن أعيش شهرين بكلمة ثناء واحدة".. بعضنا ويا للأسف لا ينظر إلى الجوانب السلبية في من حوله، بل يبحث عنها ويتصيدها ويبذل الوقت والجهد في اقتناصها.. وأقول لمثل هؤلاء والله إنكم تتعبون أنفسكم وتتعبون من حولكم وإن كل ذلك يجلب الكراهية والعداوة والبغضاء والشحناء، فلماذا إذا كنا في مفترق طرق، أحدهما يؤدي إلى الاستقرار وراحة البال والمحبة وآخر يؤدي إلى عكس كل ذلك، لماذا لا نختار الطريق الأول منهجاً لنا في الحياة.. وبدون ثمن ؟

5- تعلمت أن أساعد الناس بكل ما أستطيع.. كل منا يملك أشياء قد لا يملكها الآخرون.. منا من يملك المال ومنا من يملك الجاه ومنا من يملك الفكر ومنا من يملك لين الجانب ومنا من يملك الكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة والوجه الصبوح.. كلنا بدون استثناء نستطيع أن نقدم للآخرين أشياء هم يحتاجونها.. لماذا نبخل أن نقدم ما نملك لمن لا يملك؟

6- تعلمت ألا أجادل من لا يعلم.. تطرح أحياناً رؤية.. أو تدخل في حوار.. وقد تعلم أنك تملك من الحقيقة ما لا يملكه الآخرون ثم تُواجَه بردود عنيفة على وجهة نظرك.. هنا تعلمت أن أنسحب من مثل هذه الحوارات، من مبدأ إما أنني لا يجب أن أحتكر الحقيقة والصواب وإما من مبدأ أن الردود التي تسمعها خالية من المنطق.. وهنا تصل إلى الرأي السديد الذي يجنبك المتاعب.. مجادلة من لا يعلم يعرضنا للكثير من المتاعب والنتائج التي لا تحمد عقباها.. والانسحاب يجنبنا كل ذلك.

7- تعلمت ألا أسال سؤالاً لا أريد به علما ولا أقدِّم خدمة لمن لا يطلبها ولا أتبرع بمعلومة لم يطلبها أحد مني.. تعلمت أن الشك قد يساور من تقدم له خدمة هو لم يطلبها منك حتى وإن كان في حاجتها.. وتعلمت أن السؤال عن بعض الأمور فيه تعد على حرية الآخرين ..وأن المعلومة التي تقدمها لمن لا يطلبها لا تناسب الشخصية المتزنة.

8- تعلمت أن أحب كل الناس.. حتى المسيئين.. وأُسامحهم.. لأنني وجدت أن محبة الناس هي أنفس رصيد وأغلى ثروة.. وأنها تحقق السعادة الحقيقية.. وجدت ألا شعور يعادل أن تشعر بأن الناس تحبك وأن لك قدراً عالياً عندها.. وأن امتلاك هذه الثروة يبدأ بك أنت.. فأنت من يجب أن تبدأ بمحبة الناس حتى يحبك الناس..

9- تعلمت ألا أدَّعِي العلم.. وأنني ما زلت أتعلم.. وكل يوم أكتشف أنني أجهل أشياء كثيرة.. وأنه مهما كانت الشهادة التي أحملها ومهما كانت كمية المعلومات التي أملكها إلا أنني ما زلت طالباً في مدرسة الحياة.. وأن اليوم الذي تدَّعي فيه أنك عالم هو اليوم الذي يجب أن تكتشف فيه جهلك.

10- تعلمت أن أزِن الأشياء بميزان "المنطق".. وأن الناس يشككون في عملك وفكرك، مهما كان غزيراً، إذا لم يكن لديك منطق.. وتعلمت إذا تعرضت لموقف غير مناسب أن أسأل صاحب ذلك الموقف أولاً عن مدى منطقية ما يذهب إليه .. وأن صاحب المنطق إنسان يحترم نفسه ويحترم الآخرين ويأخذ الحق من نفسه.

تعلمت.. وتعلمت.. وما زلت أتعلم.. اللهم ارزقنا العلم النافع.