حين ذرعت هذه المساحة الطويلة بحر الأسبوع الماضي، في وطني، أدركت أن هناك خيارين لإدارة وتفعيل التنمية حتى لا تظل هذه الأماكن الشاسعة مجرد مساقط للرؤوس بلا وظيفة فيها للمكان أولاً ومن بعده الإنسان. الخيار الأول هو التنمية الخدماتية ولكن بناء المشافي وشق الطرق وتكثيف المدارس وإيصال بقية الخدمات في البنى التحتية قد يطور من المستوى المعيشي للحياة اليومية، ولكن مثل هذه المشاريع لا تفتح نافذة إلى غد أو مستقبل. قد تكون هذه البنى التحتية الخالصة مهمة لشرائح متنوعة من المواطنين، ولكن الشاب بعد سن العشرين قد لا يحتاجها لأنه سليم معافى وبالافتراض قد أنهى مسيرته الدراسية ولهذا فهو على أعتاب الخيار الثاني من التنمية إلى أبواب الغد والمستقبل.
وخذ بالمثال، من هذه المسافة الطويلة بمئات الكيلو مترات تفتقد لأي صوت يمثلها على طاولة القرار التنموي حتى تلتفت إليها مئات الطاولات الإدارية. قد لا تكون لهذه المسافة الشاسعة ولا معها مشكلة في جوانب نهضة الخدمات العامة، والفوارق فيها واضحة خلال السنوات الخمس الأخيرة بلا جدال، ولكن: لم أقرأ في أسماء الشورى، مثالاً، اسماً واحداً قد يصرخ بين حين وآخر بصوت هذه المسافة. لا أعتقد أن بها أصواتاً تمثلها في دوائر القرار التنفيذي في الوزارات والمصالح والهيئات الوطنية المختلفة. ومن الثابت بمكان في الاقتصاد الحر المفتوح، مثل اقتصادنا الوطني، أن (الحكومة) معنية بتوفير الخدمات والبنى التحتية، وهي للأمانة بذلت جهداً واضحاً تشكر عليه، ولكن مرة أخرى للجسد الحكومي وظيفة جوهرية أخرى تتمثل في دفع الاقتصاد الخاص والقطاع الخاص لتوجيه استثماراته ومصانعه إلى الأماكن الأكثر حاجة للمال والوظيفة في خريطة الوطن. وظيفة الحكومة هنا أن ترسم القوانين التي تضمن توجيه القروض العامة ورخص المصانع وبقية التسهيلات إلى مثل هذه الأماكن على الخريطة. وخذ بالمثال أن مصنعاً واحداً للحديد والألمونيوم قد ضمن ما يقرب من ألف وظيفة أساسية في محافظة سعودية نائية واحدة. هذا هو الخيار التنموي لأحلام شاب أكمل تعليمه، ثم نحكم عليه بعدها بخيارات الاغتراب والهجرة.