أشكر كل من أبدى اهتماماً بعد مطالعته للجزء الأول من هذه المقالة الذي نشر الأسبوع الماضي؛ فقضية النقل التلفزيوني للدوري المحلي تهم قطاعاً كبيراً سواء الجهات ذات العلاقة وخاصة الأندية، أو مشاهدي التلفزيون ومتابعي كرة القدم وهم بالملايين.. وقد تحدثت في ذلك الجزء عن الأهمية التي يمثلها النقل التلفزيوني كأهم الموارد المالية لكرة القدم، وأعطيت ملخصاً عن تاريخ نقل الدوري عبر التلفزيون السعودي وعبر القنوات الرياضية التجارية الخاصة، ثم استعرضت رأي الجهتين المعنيتين بالدرجة الأولى بالنقل وهما التلفزيون كناقل وطني، وكجهة إنتاج وبث، واتحاد كرة القدم كمالك لحقوق النقل بموجب التنظيمات والتعليمات الصادرة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، ووعدت أن أقدم وجهة نظري من واقع خبرتي وتجربتي وعلاقتي المباشرة في فترة ماضية بهذا الموضوع مع كل الأطراف؛ فقد تشرفت خلال فترة عملي برعاية الشباب واتحاد كرة القدم بتولي هذا الملف مع الجهات ذات العلاقة، ومتابعة تفاصيله ووقائعه وما حققه من إيجابيات وما تعرض له من سلبيات، فأقول إن النقل التلفزيوني من حيث المبدأ حق خالص لاتحاد كرة القدم في كل دولة باعتباره اتحاداً أهلياً عضواً بالاتحاد الدولي وله جمعيته العمومية التي هي مرجعه الأساسي ويتعاون في تحقيق أهدافه مع الجهات الحكومية الداعمة لمسيرته باعتباره جزءاً مهماً من الحركة الرياضية التي تعتمد في بنيتها التحتية ـ كالمنشآت ودعم تنظيم البطولات وتهيئة الكوادر البشرية ـ على الدولة ممثلة هنا في المملكة في رعاية الشباب دون تدخل في عمله الفني ولوائحه ونظامه الأساسي التي يرجع فيها للاتحاد الدولي، وحتى لا أطيل في هذه النقطة فقد أعود مستقبلاً لشرحها بالتفصيل، وما دمنا علمنا أن هناك مبادئ أساسية ومسلمات يجب الأخذ بها بالنسبة لحقوق الاتحاد، فإن من المسلمات أيضاً أن جهة النقل الرئيسة التي لها الفضل في نشر الرياضة عموماً في المملكة وكرة القدم خصوصاً وإبراز منجزاتها هي وزارة الإعلام وقنواتها الرسمية التلفزيونية والإذاعية، وقد تحملت الوزارة كثيراً طيلة عقود من الزمن تبعات التغطيات الإعلامية للمنجزات الرياضية، سواء خلال مشاركات المملكة في كؤوس العالم أو كؤوس آسيا أو الدورات الأولمبية، فكانت المرآة التي عكست تلك الإنجازات ونقلتها للمواطن وللعالم، وكان بينها وبين "رعاية الشباب" تعاون كبير؛ لكن الأمر في حقوق النقل التلفزيوني أصبح يتعلق بمنتج مربح وأهم مورد رئيس للأندية ولاتحاد القدم من خلال ما يدفعه الناقل ومن الإعلانات في الملاعب وعلى القمصان ومربحاً للناقل نفسه من خلال الإعلانات التجارية وتسويق جزء من المباريات أو لقطات منها، إضافة إلى استخدامه وسائل التقنية الحديثة أيضاً أو ما يسمى بالنطاق العريض في تسويق المادة التلفزيونية، وكل ذلك يعوض ما يدفعه التلفزيون مقابل النقل (هنا فقط أنوه أن وزارة المالية تدخل على الخط كطرف ثالث سأتطرق لدوره).
إذاً، ما دام أن الجهتين كلتيهما هما المستفيدان الرئيسان من النقل، وبما أنهما جهتان سعوديتان مستقلتان إدارياً ومالياً تملكان حق التفاوض والحوار والمناقشة ثم إبرام العقود، فإن من الأهمية من وجهة نظري أن يكون هناك تنسيق مباشر في مسألة حقوق النقل، لا أن يفرض أي منهما الأمر الواقع على الآخر؛ فالتلفزيون وهو الجهة التي تحررت من القيود والروتين المالي والإداري وأصبح هيئة ذات استقلالية إدارية ومالية ترأسها شخصية قيادية عاصرت التلفزيون، ولديها مجلس إدارة يرأسه معالي وزير الإعلام، قادر على رفع قيمة النقل التلفزيوني، بما يوازي قيمة الدوري السعودي ويواكب تطلعات اتحاد كرة القدم ورابطة دوري المحترفين، ويقنع وزارة المالية بذلك، وقد حصل على الحقوق ثلاثة مواسم لبثه غير المشفر الذي أتاح لكافة شرائح المجتمع المشاهدة والمتابعة؛ لذا فإني أهيب بهيئة الإذاعة والتلفزيون أن تبادر بتقديم عرض مغر للاتحاد السعودي يفوق ما يتم دفعه الآن، خاصة وهي تحظى بتفهم من وزارة المالية، فالتلفزيون قادر كما أشرت ليس فقط على استرداد ما دفعه، بل على تحقيق أرباح مجزية يطور من خلالها آليآت النقل، شريطة أن تدعمه وزارة المالية التي ما زالت تطالب بمداخيل الإعلانات.
وبالمناسبة، أنا لا أفهم لماذا لا يسوق التلفزيون مباريات الدوري؟ فهو سيحقق أرباحاً إضافية ويسهم في نشر كرة القدم السعودية، ولن يتضرر الإعلان كما يتصور البعض وخاصة للمحطات السعودية الخاصة ذات رأس المال السعودي.
أما تطويرالنقل فقد سمعنا ورأينا استعدادات فنية وتقنية تبشر بخير، هذا ما أرى أن يقوم به التلفزيون، لكن يجب أن يكون معلوماً أنه مع هذه المرونة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، فإن لوزارة المالية دوراً مالياً مهماً جداً باعتبارها هي من سيدفع قيمة النقل للتلفزيون، ولا يستطيع التلفزيون تحديد الرقم الذي يمكن أن يدفعه مقابل النقل وهنا يأتي دور التنسيق المباشر الذي أشرت إليه بين الأطراف ذات العلاقة.. وفي هذا الشأن ما الذي على اتحاد القدم القيام به؟
إن على "الاتحاد" المسؤولية الأكبر؛ فمن واجبه السعي لدى كل الجهات ذات العلاقة باعتباره صاحب الحق بالنيابة عن الأندية كي يكون مردود النقل كبيراً وفي مستوى قيمة الدوري وأهميته، فهو أمين على ذلك، فالأندية تنتظر التخفيف من ديونها، وأيضاً هو مسؤول عن تسويق الدوري؛ فلذلك من الأهمية ألا يكتفي الاتحاد بإصراره على عرض الدوري للبيع بالمنافسة رغم أن ذلك من حقه بل هو الأمر الطبيعي، لكن عليه المبادرة بالتواصل مع هيئة الإذاعة والتلفزيون ورعاية الشباب التي لا بد أن ترمي بثقلها مع وزارة المالية كي تقتنع برفع قيمة النقل إذا ما أرادت أن يحتفظ التلفزيون السعودي بحقوق النقل، ودور "الاتحاد" كبير في زيادة مداخيل النقل وما زال لديه متسع من الوقت ولديه لجان تسويق وكوادر متخصصة، وأرى أن يبادر بتكوين فريق عمل تسويقي متخصص ومدعوم بخبراء وقانونيين ويهيئ كراسة شروط دقيقة وشاملة لكل ما يتعلق بحقوق النقل، ليس للدوري فقط، بل لجميع بطولات ومسابقات الاتحاد، ثم يناقش كل ذلك مع جهات الاختصاص، وأنا متفائل بقدرة الأطراف ذات العلاقة على الوصول إلى قناعات مشتركة، وإلى رؤية مستقبلية موحدة تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الموارد المالية التي تعد السبب الرئيس في دعم مسيرة الاتحاد وتحقيق أهدافه وفي تطور كرة القدم ورفع مستواها وإعادة منتخباتنا وأنديتنا إلى منصات التتويج القارية والعالمية.