وراء مؤامرات الربيع العربي فئتان من الدول الفاشلة في تحقيق مصالحها: دول كبرى تتميز بحياكة خططها في الظلام وخلف الأقنعة بمختلف أساليب المكر والدهاء، ولكنها تتورط لدى فضح مواقفها ونواياها أمام شعوبها، ودول صغرى تختال بأحلام العظمة والأبهة وتندفع وراء مغامراتها وخداع أتباعها وتضخيم ذاتها وتلميع صورتها ولكنها تقع لقمة سائغة في شر أعمالها أمام مشاهدي فضائحياتها.
في 30 يونيو الماضي، أحبط الشعب المصري المؤامرة الكبرى المُحاكة ضده، وفوراً بادرت السعودية ملكاً وحكومة وشعباً، إلى جانب الإمارات والبحرين والكويت، لتقف مع شقيقتها مصر، وتقطع ما تبقى من دابر الشقاق والنفاق الذي أشعلت فتيله عصابة الإخوان، فتهاوت إلى غير رجعة أقنعة الدول الكبرى وتساقطت معها غير مأسوف عليها أحلام الدول الصغرى. هذه الدول فشلت في مؤامراتها نتيجة جهلها بحقيقة العلاقات التاريخية الخليجية المصرية، التي فاقت حدود التلاحم الشعبي عبر العقود لترتفع اليوم إلى مستوى العلاقات المصيرية في كافة المجالات السياسية وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية.
قد لا تعلم دول المؤامرات الكبرى والصغرى أن السعودية أصبحت اليوم تستحوذ على نصيب الأسد من إجمالي الصادرات المصرية للدول الخليجية بنسبة 56%، تليها الإمارات بنسبة 24%، وأن الصادرات الكويتية من إجمالي الصادرات الخليجية إلى مصر ارتفعت بنسبة 44% تليها السعودية بنسبة 40%. وقد يخفى على دول المؤامرات أن التحالف الاقتصادي المصري الخليجي يشكل 63% من الناتج الإجمالي العربي ويستحوذ على 71% من التجارة البينية العربية في قطاع السلع و59% في قطاع الخدمات و51% في قطاع الاستثمار و48% من الأيدي العاملة الفنية.
نحن اليوم في أمس الحاجة لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والدول الخليجية الصديقة وإنشاء السوق المصرية الخليجية المشتركة وتكوين الوحدة الاقتصادية لأنها تفوق بإمكانياتها ومعطياتها التحالف التجاري لمجموعة دول "ميركوسور" في جنوب أميركا والاتحاد الجمركي لمجموعة دول "أفتا" في وسط أوروبا. ونحن اليوم في أمس الحاجة لفتح أبواب الاستثمار الزراعي في مصر أمام الدول الخليجية، للاستفادة من زراعة 9 ملايين فدان يعمل فيها 7 ملايين مصري، لكي ينمو حجم المحاصيل الزراعية في مصر بنسبة 300% ولكي تنخفض قيمة وارداتنا الزراعية الخليجية من دول الغير بنسبة 60%. كما نحن في أمس الحاجة اليوم لإنشاء مصانع السلع الاستهلاكية على الأراضي المصرية، لتتضاعف مساهمة الصناعة في الناتج المحلي المصري الإجمالي بنسبة 250% وترتفع صادرات هذه المصانع الخليجية المصرية المشتركة بنسبة 150% إلى أسواق القارة الأفريقية و90% إلى دول الاتحاد الأوروبي.
تصوروا فوائد التنمية الاقتصادية الشاملة وضمان زيادة القيمة المضافة الخليجية المصرية المشتركة وتأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والماء إذا قامت الدول الخليجية بتزويد مصر بالنفط مقابل حصولها على المياه، وقامت مصر بتزويد الدول الخليجية بالعمالة الفنية مقابل حصولها على التحويلات المالية الصافية. وتصوروا تحسين موازين المدفوعات وتشغيل الأيدي العاملة وتخفيض معدل البطالة لو فتحت مصر أبوابها للسياحة الخليجية مقابل فتح السعودية أبوابها للعمرة والزيارة الدينية، ولو تعاونت الدول الخليجية ومصر على التصنيع الحربي وتطوير الخدمات المالية والصحية والتعليمية والمهنية والبحثية.
في الشهر الماضي أكد التقرير الاقتصادى العربي الموحد لعام 2012 أن جميع الدول العربية تواجه عجزاً في المنتجات الصناعية وأن صادراتها حالياً لا تتعدى نسبة 2% من صادرات العالم. وهذا يعود لضعف القيمة المضافة المحلية في قطاع الصناعة بشقيه الأساسي والتحويلي، التي لا تزيد عن 187 مليار دولار وبنسبة مساهمة ضئيلة في الناتج المحلي العربي الإجمالي لا تتعدى 10%، مقارنة مع 15% في الاتحاد الأوروبي و22% في أميركا و28% في الصين و34% في كوريا الجنوبية. وهذا يستدعي تضافر جهود الدول الخليجية التي تمتلك الطاقة ورؤوس الأموال مع مصر التي تمتلك قوة العمل والكثافة السكانية والقدرات التصديرية.
وفي نشرتها الفصلية الأخيرة في عام 2013 كشفت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات "ضمان" أن قيمة تجارة السلع والخدمات العربية لا تزيد عن 2469 مليار دولار، بحصة تبلغ 5% من التجارة العالمية وبنسبة 94% من الناتج المحلي الإجمالي العربي. ورصدت مؤسسة "ضمان" أن التجارة السلعية تستحوذ على 85% من الإجمالي بسبب النفط، حيث تستحوذ الدول النفطية، وهي السعودية والإمارات وقطر والعراق والكويت والجزائر بالإضافة لمصر، على أكثر من 80% من الإجمالي العربي لعام 2012. ومع ذلك لا تزيد تجارة المنتجات الصناعية العربية عن قيمة 196 مليار دولار فقط، تمثل نحو 15% من الصادرات السلعية العربية و7% من الناتج المحلي الإجمالي العربي. كما تراجع حجم التجارة في قطاع الخدمات العربي إلى 346 مليار دولار، لتصبح المنطقة العربية مستوردا صافيا للخدمات من العالم بعجز مقداره 119 مليار دولار في عام 2012.
مؤسسة "ضمان" حددت حجم التجارة العربية البينية من السلع بنحو 105 مليارات دولار في عام 2012، منها نحو 43% تجارة بينية خليجية، لتستحوذ كل من السعودية والإمارات على 48% من إجمالي الصادرات العربية البينية وعلى 26% من إجمالي الواردات العربية البينية. أما الناتج الإجمالي العربي فأظهر التقرير ارتفاعه إلى نحو 2270 مليار دولار في عام 2012، ليتركز في 7 دول فقط، تشمل الدول الخليجية ومصر بنسبة تفوق ما تنتجه الدول العربية الأخرى.
لا تستهينوا بقوة مصر والدول الخليجية معاً.