• الغوطة، سورية، الواحد والعشرون من أغسطس 2013 وجثثٌ ممددة من كل الأعمار. الأطفال بالذات كانوا يتصدرون الصور والشاشات وحرقات القلوب، نيابةً عن الجميع. يحدث أن يرى العالم أطفالاً شهداء، وبأعدادٍ كبيرة، كما تفعل الحروب وبشاعاتها، ومهما كانت طريقة القتل التي تعرضوا لها إلا أنهم أخيراً، يظهرون وهم يرقدون بسلامٍ في الأبدية، وقد نسوا لحظة الغيلة وعيني القاتل، يحدث هذا لكن العالم قليلاً ما رأى أطفالاً شهداء، ووجوههم مملوءة بعذابات الاختناق. وتكوّمات ملامحهم تشير إلى الزفرات المكبوتة في صدورهم، الزفرات الأخيرة التي سجنتها سموم كيماوي البعث في رئاتهم الصغيرة!.
• في جهة أخرى، وفي اليومين الماضيين انتشر مقطع فيديو مريع، لمسلحين إسلاميين يوقفون سائقي شاحنات على أحد الخطوط البريّة، هؤلاء المسالمون المدنيون الذين يكدحون ليلاحقوا خبز صغارهم، سألهم المسلحون عن عدد ركعات الصلاة، ثم قاموا بتصفيتهم، وسط تعالي التكبيرات!.
• وكما الآخرين، تابعت بألم، التعليقات على هذين الحدثين المتتاليين سريعاً، مجزرة الغوطة، ثم على هذا الفيديو، ملاحظاً في المقام الأول المتاح من تعليقات السعوديين، الذين صار الكثير منهم على صلة فاعلة ومباشرة بأحداث العالم، بل واستخدامها في الاحتقانات المتبادلة في خلافاتهم. بالنسبة لمجزرة الغوطة، لم يظهر جراءها أي نزاع، بل التقت ردود الفعل، بالإجماع، على الصدمة، والتألم، والغضب العارم ولعن النظام القاتل وأزلامه. أما فيديو المسلحين فقد تفاوتت التعليقات، الغالبية أدانوا القتل تماماً، ويبرأون إلى الله منه، والكثير من هذه الغالبية قفز على، أو اختزل مقتل أبرياء على هذا النحو، في كون الجريمة تشويهاً لصورة الإسلام، لكن هناك عدد آخر من المعلقين لم يؤيد قتلهم فحسب، بل ابتهج بقطع الطريق على مسالمين في حال سبيلهم، ثم قتلهم على "الهوية"، محتجاً بمجزرة الغوطة، وغيرهم من قتلى السنّة سواءٌ في سورية أو العراق أو غيرهما، والبعض لم يكتف بهذا، بل أطلق اتهامات مختلفة، على رأسها أن الذين استنكروا هذا القتل، هم أنفسهم الذين أيدوا قتل المعتصمين في رابعة العدوية بمصر!
• والحقيقة الواضحة في كل هذا أن الشعب السوري باختلاف طوائفه ومواطنيه، وعلى مدار الساعة تفرمهم آلات القتل! وهذا التعطش للدم الذي يواجهونه، ويُتواطأ عليه بهذا الإجماع من مختلف الأطراف، شديد الخزي؛ النظام يقتل بوحشية، والجماعات التكفيرية المسلحة تقتل، وحزب الله يقتل، والحرس الثوري الإيراني يقتل، وأسلحة روسية تجوب سورية طولاً وعرضاً، وكذب وتقلّب أميركي، وأموال باسم الدعم، لا أحد يعرف إلى أين تذهب، وصفقات شراء وبيع مواقف، وموازنات دولية.. إلخ، وما من حلّ! يا لفتك السمّ، وتشابه القتلة!