لعل منكم من اطلع على تغريدات بعض المغردين في "تويتر" حول العلاقات الشخصية وكيف يتم التعامل بها ومعها.. وتناولت التغريدات رؤية بعض المغردين الذين يرون أن أفضل علاقة هي التي تحكمها "الفضيلة" بحيث يتم التعامل مع كل من نعرف بدوافع تنطلق من المحبة والتقدير والاحترام المتبادل والتسامح والنظر إلى الجوانب الإيجابية في الإنسان.. والنظر إلى الإيجابيات والسلبيات في الأمور موضوع أزلي.. تتم مناقشته بين فينة وأخرى.. ونعرف جميعاً مصطلح : الكأس المليئة والكأس الفارغة الذي يمثل نظرتي التفاؤل والتشاؤم.. ففي جانب الكأس المليئة، فيما يتعلق بجانب العلاقات هناك من ينظر إلى علاقاته مع الناس بإيجابية متناهية، فلا يفسر أي تصرف من جانب من يعرف أو يتعامل معه تفسيراً سلبياً، ويجد العذر لمن أخطأ ويتخذ من التسامح منهجاً له.. مثل هؤلاء يكشفون سلامة صدورهم وطيب معشرهم وثقتهم بأنفسهم وخلوهم من العقد النفسية ونظرتهم الإيجابية للحياة والناس .. فمثل هؤلاء لا يقول إن من لم يتواصل معي لفترة طويلة ثم يتواصل معي الآن هو ينطلق من منطلقات مصالحه الشخصية أو ما اصطلح على تسميته "مصلحجيين".. ويفرض عليه خلقه النبيل وما يتمتع به من فضيلة ألا يذهب بعيداً في تفسير التواصل الذي يتم بعد انقطاع تفسيرات سلبية.. والعكس صحيح لمن يرى نصف الكأس الفارغ.. هم يكشفون شخصياتهم القلقة التي طالما تشكك في كل تصرف وتجادل في كل أمر، غير متسامحة تنظر للحياة والناس بسوداوية تجعلها بعيدة كل البعد عن السعادة.. وأذكر أنني طلبت من أستاذي بعد مناقشة أطروحة الدكتوراة أن يعطيني نصيحة تتضمن الزبدة التي خرج بها من تجربته الطويلة في الحياة والعمل، وكان مسناً، فقال لي عبارة تكتب بالذهب وتختصر كل الفضائل.. قال لي: "انظر إلى الجوانب الإيجابية في كل من حولك وكل من يتعاملون معك".

وفي التغريدات قرأت مقولة جميلة هي: "الطريقة التي نرى بها العالم هي الطريقة التي تخلق العالم الذي نراه". وهي مقولة صادقة إلى أبعد الحدود.. إذا كنت متسامحاً تسامح الناس معك، وإذا كنت مبتسماً ابتسم من حولك.. وإذا كنت سعيداً سعد من حولك، وإذا كنت محباً أحبك الناس.. والعكس صحيح في كل تلك الأمور.. تجاربنا في الحياة علمتنا أننا في كثير من الأحايين نذهب لبعض من نريد أن نعاتبهم أو نقسو عليهم أو نلومهم أو حتى نعاقبهم، فإذا ما واجهناهم نشعر بالخجل أن نقول لهم أي كلمة تغضبهم، نظراً لحسن استقبالهم وبشاشة محياهم ولطفهم ولين جانبهم وحلاوة ألسنتهم وصدقهم.. نخجل أن نواجه كل ذلك حتى بكلمة واحدة لا يحبون سماعها، فنعود أدراجنا مبتهجين ومتسامحين ومحبين بطريقة لم نصنعها نحن ولكن هم الذين صنعوها.. وهم الذين أجبرونا على انتهاجها.. هم من صنعوا هذه الحياة لأنفسهم وليس نحن.. هم من صنعوا المحبة والتسامح والفضيلة لأنفسهم وأعطوا، بالإضافة إلى ذلك دروساً لغيرهم في كيفية بناء المحبة والجسور التي توصل لحياة تلفها السعادة وتكتنفها المحبة ويحيط بها التفاؤل.. لا أحد يعطيك المحبة، بل أنت الذي تصنعها.. ولا أحد يعطيك الثقة، بل أنت الذي تبنيها، ولا أحد يمنحك التفاؤل، بل أنت الذي تعمره داخل نفسك.. إذا أشغلنا أنفسنا في تفسير تصرفات الناس وأدخلنا الشك في كل خطوة أو تصرف، كان ذلك منهجاً شديد السوء في التفكير، وطريقةً بالغة التعقيد في العلاقات، وأسلوباً عالي الحساسية في النظرة للناس والعلاقات.. وأصحاب مثل هذا المنهج هم الذين يرون نصف الكأس الفارغ.. وهم الأشقياء في حياتهم وعلاقاتهم.. وهم الذين لا يحققون ما يأملونه من نجاح.. كثير منا أو بعضنا يحمل تبعات فشله للآخرين.. ويحمل تبعات تقصيره لمن حوله.. والحقيقة التي يجب أن ندركها أننا نحن، ونحن فقط، المسؤولون عن نجاحاتنا، بعد الله، أو إخفاقاتنا.. فالحياة التي نراها أمامنا هي نتيجة للطريقة التي نختارها للحياة..يقول لي أحد الأصدقاء إن له صديقا لم يتصل به منذ زمن.. واحتاج إلى خدمة من القطاع الذي يعمل به.. وعندما اتصل به واجهه ذلك الصديق بالقول: "لو لم يكن لك مصلحة لما اتصلت". وأشعره بالخجل والندم، ولم تستمر المكالمة ولا العلاقة بالشكل الذي يفترض أن تستمر به، وخسر ذلك الصديق محبة أحد من يعرفهم دون أسباب جوهرية، وبتصرف أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه غير متعقل.. هذا الصديق خلق بتصرفه وضعاً سلبياً كان بإمكانه أن يستبدله بوضع أكثر إيجابية ليفضي إلى علاقة أكثر حميمية.. هذا هو الرقي في العلاقة.. وهذا هو الرقي في التفكير وهذا هو المنهج الصحيح الذي يكسبنا الناس والمحبة والنجاح في الحياة بعد توفيق الله.

وخلاصة القول؛ نحن في العلاقات بين مفترق طرق؛ إما أن نكون إيجابيين ونحسن التعامل بالتسامح والمحبة، فتكون حياتنا كما نريد أكثر سعادة ونجاحاً، وإما أن نفكر في علاقة المصلحة ونأخذ من الشك منهجاً لا نحيد عنه مع كل من نعرف وكل من نتعامل معه، فنختار طريق التعاسة والفشل.. من يوفقه الله للإيجابيات ستكون حياته سعيدة ناجحة مستقرة.. وأخيرا، لتحققوا ذلك انظروا إلى الجوانب الإيجابية في الناس.. وفكروا في مقولة إن الطريقة التي نختارها للحياة تخلق الحياة التي نعيشها.. وأنتم بالخيار.. لا تحملوا الناس نوع الحياة التي تعيشونها، فأنتم الذين تخلقون نوع حياتكم.. السعادة تؤخذ ولا تُمنح.. والنجاح ليس هبة من أحد، بل هو فعل من الشخص نفسه، بعد توفيق الله.. نحن من يحدد مسارات حياتنا.. ونحن من نلام في كل تقصير أو إخفاق. هذا هو الفهم الحقيقي للحياة، وغير ذلك هو من قبيل إيجاد المبررات لأنفسنا.. ولا تظنوا الأمر صعبا.. وحتى لو كان فيه مشقة، فهو ليس مستحيلا.