ما الذي يمكن لنا فهمه من إصرار عدد ليس بقليل من خطباء الجمعة على تضمين خطبهم ما يستفز الناس ويحرضهم ويخلق فتنة بينهم عبر إقحام رأيهم الشخصي فيما يدور حاليا في مصر؟!.

هؤلاء الخطباء يعملون على إجبار المستمعين للتسليم بما يؤمنون به من أفكار وتوجهات، رافضين أن يختار كل شخص ما يظن أنه هو الصواب، وفق تفكيره واستنتاجاته، بل إنهم لا يقبلون من أحد أن يكون محايدا، فوفق ما يطرحون وينادون ويهددون، لا بد أن تختار هذه الفئة أو تلك الفئة حتى لو كنت جاهلا بما يحدث أو غير مكترث بما يقع، وإلا سيقال عنك أنك شيطان أخرس!!

في مصر هناك من يرى في خطوة عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي انقلابا عسكريا على السلطة الشرعية، وهناك من ظهر إلى الشوارع قبل ذلك الانقلاب مطالبا بخلعه، بمعنى أن الشعب المصري نفسه غير متفق على ما حدث، وكل فريق لديه من الحجج والأسباب ما يؤكد ويعزز من موقفه، وبالتالي لماذا يأتي خطباء لجوامع سعودية وليست مصرية، ويحشرون أنوفهم في قضية أهلها أنفسهم مختلفون حولها فضلا عن أنهم ـ المصريون ـ أدرى بظروفهم وأحوالهم وما يصلح لهم، كما وأن لديهم من المراجع الدينية والعلماء من هم أولى بالاستماع إليهم.

ها نحن نشاهد ونقرأ ونسمع عن أكثر من حادثة وقعت في مساجد سعودية جراء خطب جمعة لم تلق قبولا من قبل المصلين، فاعترض بعضهم على الإمام، والبعض تجاوز الاعتراض إلى خلع العقال وضرب الناس به!.

في مقالة كتبتها هنا قبل أسبوعين، وكانت بعنوان "محرضون على منبر الجمعة"، حذرت فيها من هؤلاء الخطباء، وقلت: "نذهب إلى صلاة الجمعة لعلنا نسمع شيئا يخفف علينا ضغوطات الأسبوع المزحوم بمشاهده التعيسة والمزعجة، لكننا نتسمر من جديد أمام نفس المشهد التلفزيوني والإذاعي والصحفي، فعدد ليس بقليل من خطباء الجمعة مشغولون بعرض ملخص لما يدور في الساحة السياسية الإقليمية والعالمية، مع تحليلات سطحية وعبارات مملة ومكرورة، ومن ثم بث الكراهية ضد الغير والتحريض على الشر وبث الروح الانهزامية"

وقلت في نهاية المقالة "إن تحذير وزارة الشؤون الإسلامية خطباء الجمعة من الخوض في المسائل السياسية والمذهبية وعدم التعرض للأشخاص أو الدول والمؤسسات تصريحا أو تلميحا، ومطالبتهم بأن تقتصر خطبة الجمعة على مفهوم الوعظ والإرشاد لا يكفي؛

لأن هناك من الخطباء من لا يعترفون بمثل هذه التوجيهات، إذ لديهم فقه خاص بهم، فقه يوّلد الفتنة والضغينة والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد، والصحيح عدم تمكين هؤلاء من صعود المنبر مطلقا".

وها قد وقع ما حذرت منه وما توقعته، إذ يبدو أن الوزارة لم تهتم ولم تتابع ما إذا التزم الخطباء بتعليماتها أم لا، والدليل ما نسمع ونرى من تحول منابر الجمعة لتحليلات وآراء سياسية مليئة بالتحريض وإصدار الأحكام وخلق الفتن، وأغرب ما شاهدناه في آخر مقطع فيديو، وأقصد ما حدث في الرياض وليس في مدينة الخبر، أن الخطيب "ولّع" المسجد وارتفعت الأصوات والأيادي صراخا وضربا، وببرود قال: استووا و"كبر" وراح يقرأ الفاتحة بينما نصف المسجد من خلفه ليس مستويا وليس مصليا!!