اقتصرت المادة المقدمة من خلال وسائط النقل المرئي على مناح محددة تفتقر في أحيان كثيرة إلى مهنية الإعداد واحترافية التقديم، فأصبح المشاهد السعودي مرتبطاً بمرئيات فضائية يستمرئ من خلالها جل المشاهدات التي لا ترقى إلى مستوى علمية الإنسان وتحفيز مكامن إبداعاته.
فرأينا جلّ المشاهدين - إن لم يكن الكل - يتواصل بلهفة مع منتجات تلك القنوات، ويبني ثقافته على أساس ما يستمده من إنتاجها، لنفاجأ بمستوى ثقافي لا يصلح أن يغيّر من واقع الإنسان نفسه، فضلاً عن التغيير أو التأثير في الآخرين، فلعل قصب السبق على المستوى الشعبي أصبح من نصيب القنوات الشعبية، كون النسبة العظمى من السكان ترتبط بقبيلة لها عادات وتقاليد موروثة، منها ما هو صالح للعصر ومنها ما هو عبء على الزمان والمكان، ولذلك يصبو العقلاء إلى تكريس ثقافة التطوير والبحث عن الأفضل، ولكن الواقع العام أحياناً ينبئ بضياع تلك الجهود وذهابها أدراج الرياح، فالقبليّة بوجهها الكالح تطل دائماً على مكامن الخصب والنماء فتحيلها قاعاً صفصفا، قد ترسخت فيها العنصرية البغيضة والتأم في ساحاتها التعصب القبلي، حتى أصبحنا، وللأسف الشديد، نشاهد المناكفات القبلية التي يتخللها الحط من مقام الآخرين والتفاخر بماضٍ هو في حقيقته ليس مدعاةً للفخر، كون الجميع يعلم ما كان يعيشه إنسان هذا البلد قبل الحكم السعودي من سلب ونهب وسفك دماء، هو في واقعه أقرب للهمجية منه للإنسانية، وإن تخلل ذلك بعض الومضات الإنسانية، مثل الكرم وغيره، ولكن الصورة العامة لتلك الفترة لا نرى فيها مغريات تدعونا إلى استجرارها والعزف على أوتارها، وأمام هذا الواقع فلا بد أن نقول:
آن الأوان للخروج من هذه العباءة التصادمية والخلوص إلى ترويض الفضاء لمصلحة إنسان هذا المكان من خلال خطط إعلامية تسعى إلى فتح الباب على مصراعيه لقنوات فضائية متخصصة في العلوم عامة، على أن يرافق ذلك عملية ترغيبية يتبناها الإعلام تهدف إلى جذب المشاهد لمتابعة تلك القنوات التي بلا شك ستكون محطة الانطلاق الرصينة لبناء نهضة علمية متكاملة تبدأ من الرغبة والتشويق وتنتهي بالعمل والتطبيق.