في شهر فبراير الماضي قامت شركة "ريلاينس الصناعية"، وهي أكبر الشركات الهندية المنتجة لمادة "البولي بروبلين"، برفع شكوى ضد بعض المصانع السعودية واتهمتها بالإغراق. سارعت الهند إلى إجراء التحقيقات، وقبل إثبات العلاقة السببية بين واقعة الإغراق والضرر الجسيم، أصدرت الحكومة الهندية قرارها في 15 يونيو الماضي بفرض الرسوم الأولية المؤقتة لمكافحة الإغراق على مصنعين سعوديين بنسب متفاوتة.

الاتحاد الهندي للبتروكيماويات شجب قرار حكومته التعسفي، واتهم رئيس الاتحاد "كمران سيكساريا" وزارة التجارة الهندية بتواطئها مع شركة "ريلاينس الصناعية" وتشجيعها على احتكار حصة أكبر من 70% في السوق الهندية نتيجة انخفاض الصادرات السعودية للهند من مادة "البولي بروبلين"، مما يتعارض صراحةً مع أحكام المنافسة العادلة في مسار التجارة الدولية.

ولكن رد الحكومة الهندية جاء سريعاً، حيث قامت في الأسبوع الماضي بفرض الرسوم النهائية لمكافحة الإغراق على منتجات مادة "البولي بروبلين" السعودية والسنغافورية والعمانية.

القرار الهندي يتعارض صراحة مع أحكام المادة (5-8) لاتفاقية مكافحة الإغراق بمنظمة التجارة العالمية، التي نصت على ضرورة: " رفض طلب الصناعة المحلية (الهندية) بإجراء التحقيق في دعوى الإغراق إذا لم تتوفر لديها الأدلة الدامغة على واقعة الإغراق أو إثبات الضرر الجسيم على الصناعات المحلية (الهندية). وعلى الحكومة (الهندية) إيقاف التحقيق فوراً إذا ثبت أن هامش الإغراق يقل عن 2% من سعر التصدير، أو إذا ثبت أن حجم الواردات من دولة معينة (السعودية) أقل من 3% من حجم واردات الدولة المستوردة (الهند)، أو أن مجموع صادرات الدول (السعودية، وسنغافورة، وعمان) من المادة المتهمة بالإغراق لا تزيد عن 7% من إجمالي حجم السوق المحلي (الهندي)".

الحكومة الهندية استخدمت في دعواها الحجج القانونية التي تفيد بأن نسبة وارداتها من السعودية وسنغافورة وعمان تفوق 8,5% من حجم السوق الهندي من مادة "البولي بروبلين"، دون أن تتصدى هذه الدول الثلاث للحجج الهندية وتطالبها، طبقاً لما جاء في المادة 2 من الاتفاقية، بضرورة تقديم "الدليل الدامغ" لهذه النسبة من خلال تقييم المتوسط المرجح للواردات الهندية من هذه الدول على مدى السنوات الثلاث الماضية على الأقل.

تتربع الهند على المركز الأول بين دول العالم في استخدام اتفاقية مكافحة الإغراق ضد وارداتها كسياسة حمائية غير نظامية، حيث رفعت الحكومة الهندية خلال العقد الماضي 526 دعوى ضد 56 دولة، مقابل 36 دعوى إغراق مرفوعة ضد الهند من قبل 12 دولة أمام هيئة حسم النزاعات التجارية في منظمة التجارة العالمية.

في الآونة الأخيرة وبسبب التباطؤ الاقتصادي الذي أصاب أسواقها، قامت بعض الدول باستخدام اتفاقيات المنظمة للحد من الواردات التي تنافس منتجاتها المحلية. خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية، كانت هنالك دعاوى مماثلة ضد المنتجات البتروكيماوية السعودية من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وكندا والصين وتركيا، وجميعها دعاوى مزعومة تهدف إلى تقويض المزايا التنافسية لصناعاتنا البتروكيماوية.

تتمتع المنتجات البتروكيماوية السعودية بالميزة التنافسية المشمولة بقرار مجلس الوزراء السعودي رقم 260 وتاريخ 23/10/1422هـ، والذي حدد أسعار بيع الغاز الطبيعي السائل لمصانع البتروكيماويات داخل السعودية طبقاً للاعتبارات التجارية، وذلك نتيجة لما تم الاتفاق عليه مع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

ومع أن قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي تنادي بضرورة تشجيع الدول على استخدام مزاياها التنافسية، إلا أن بعض الدول الأعضاء في المنظمة التي تفتقر إلى هذه المزايا وتخشى على مستقبل صناعاتها البتروكيماوية من منافسة منتجاتنا السعودية، ما زالت تعمل على إثارة موضوع تسعير الغاز الطبيعي السائل من خلال رفع دعاوى مكافحة الإغراق ضد منتجاتنا البتروكيماوية.

من المستغرب حقاً أن الهند التي تعتبر أحد الشركاء التجاريين الرئيسين للسعودية، تلجأ إلى رفع قضايا الإغراق ضد شريكتها السعودية، خاصة أن المادة (2-1) من اتفاقية مكافحة الإغراق وضعت معايير صارمة لتصنيف سلعة ما على أنها سلعة إغراقية إذا كان سعر تصديرها للهند يقل عن سعر بيعها في السوق السعودي، أو إذا بيعت بأقل من تكلفة إنتاجها. كما حددت المادة (2-2) من الاتفاقية أسعار السلع الإغراقية عن طريق مقارنة سعر تصديرها إلى دولة ما بالسعر المماثل لدى تصديرها إلى دولة ثالثة، أو بقيمة السلع الحقيقية على أساس تكاليف إنتاجها مضافاً إليها التكاليف الإدارية والتسويقية والأرباح.

وكذلك تعلم الهند أنه توخياً لضمان العدالة في تطبيق أحكام مكافحة الإغراق، فإن المادة (3) من الاتفاقية أكدت على ضرورة تقديم الهند للبرهان بأن السلع الإغراقية ألحقت الضرر الجسيم بالصناعة الهندية، وإلا لن يحق للحكومة الهندية فرض رسوم مكافحة الإغراق إلا بعد التأكد من العلاقة السببية بين هامش الإغراق والضرر الجسيم.

من واجبنا الوطني التصدي لمثل هذه الدعاوى التي تشوه سمعة صناعتنا الوطنية، بل من صلب أهدافنا التنموية الدفاع عن مصالحنا الاقتصادية ومزايانا التنافسية، التي لا نملك غيرها، حتى لا نفقد مصداقية صناعتنا البتروكيماوية.