سبق وأن كتبت ولا زلت أكتب منوهاً بضرورة ربط البعد الاجتماعي بالمشاريع الاقتصادية، وطالبت الدولة ممثلة في صناديق التمويل الصناعي والزراعي والعقاري، بضرورة إلزام الشركات الممولة مثل الحصول على الأراضي الصناعية أو الزراعية أو التعليمية والصحية؛ بوضع خطة وبرنامج للخدمات الاجتماعية للمناطق والمدن والقرى التي تقام فيها هذه المشاريع، وطالبت وسأستمر بالمطالبة بمراجعة البرامج ذات البعد الاجتماعي وبرامج المسؤولية الاجتماعية وإلزام الشركات بتقديم كشف حساب سنوي لهذه البرامج. إلا أنه وللأسف الشديد تحصل بعض الشركات على أكبر الدعم والمساندة من الدولة ويحقق بعضها نتائج اقتصادية مميزة إلا أنها تغفل دورها الاجتماعي، وقد يكون السبب هو تجاهل بعض القيادات في الشركات المعنية للبعد الاجتماعي في أعمالها.
وعلى رغم أنني لم ولن أقصد بمقالتي اليوم التشهير بأي شركة وطنية وإنما المصلحة العامة تدفعني للحديث عن إحدى الشركات الوطنية التي نفتخر بها وبمؤسسيها من رجال الأعمال الأوفياء لدينهم ووطنهم ومليكهم وهم في غنى عن تزكيتي لهم وأجزم أنه لو وصلتهم رسالتي اليوم فستكون لهم مبادرة إيجابية أسوة بمبادراتهم الإيجابية في المجتمع. وما أقصده شركة الروبيان الوطنية بمركز الغالة بـ(الليث) بمنطقة مكة المكرمة، شركة مساهمة سعودية تعتبر أكبر مزرعة إنتاج الروبيان الأبيض (الجمبري) في الشرق الأوسط، وقد افتتحها خادم الحرمين الشريفين عندما كان ولياً للعهد عام 2003 بتكلفة 1300 مليون ريال سعودي في مركز الغالة شمال محافظة الليث وتبعد عن مدينة جدة حوالى 150 كلم، وتضم حوالى 2700 موظف ينتجون حوالى 19 ألف طن من الجمبري (الروبيان الأبيض) سنوياً ويصدر إنتاجه إلى بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا واليابان وكوريا وتايوان والولايات المتحدة والصين وأستراليا. وقد انتهت الشركة من المرحلة الأولى من المشروع بإنشاء عشر مزارع، بها 28 حوض استزراع صحراوي ساحلي، تغذي مياه البحر الأحمر هذه المزارع، وقد بدأت الشركة في المرحلة الثانية وانتهت من الخمس المزارع الأولى وبدأ الإنتاج فيها، وجار العمل في الخمس الثانية وتقدر المساحة الممنوحة كامتياز للشركة بحوالى 210 كيلومترات مربعة، بطول 60 كلم على البحر. وقد حصلت الشركة على شهادة الامتياز في الجودة العالمية (الأيزو1509001) وشهادات عالمية أخرى، وتحولت إلى شركة مساهمة ونحن فخورون بهذا الإنجاز العظيم للقطاع الخاص ولهذه الشركة على وجه الخصوص. إلا أنني أستميحهم عذراً بتوجيه سؤالي للقائمين على الشركة: ماذا قدمت الشركة لمجتمع (مركز الغالة) موقع الشركة؟ لقد حاول أبناء هذا المركز والقرى التابعة له استجداء المسؤولين في الشركة منذ 10 سنوات لتشغيل أبناء القرى والمركز في أية وظيفة، حراس أمن، سائقين، عمالة متدربين.. ولكن دون جدوى، وحاول قبلي معالي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- بعد أن استنجدت به الجمعية الخيرية في الغالة ولم تستجب الشركة، وحاولت الجمعية مع الشركة السماح لأبناء المركز والقرى ممارسة مهنة صيد السمك في البحر الأحمر لقوتهم اليومي والاسترزاق منه حيث كانوا يمارسونه قديماً حتى تم إقفال الشاطئ بشبك حديدي لمسافة 60 كلم، فحرموا من حقهم في الصيد وقطعت أرزاقهم، وبعد سنوات طويلة وبعد قرار الدولة الأخير في سعودة بعض الوظائف وبعد الاستمرار في الشكوى وافقت الشركة على تعيين بعض أبناء القرى المحيطة. وهذا يدفعني اليوم لمطالبة الشركة بتبني مشاريع حيوية وتنموية للمجتمع الذي تقام فيه مشاريع الشركة، ومن أهم هذه المشاريع إنشاء مركز تدريب لأبناء وبنات المركز من خريجات وخريجي الثانوية العامة للعمل في الشركة وتخصصاتها وتشغيل البطالة في مختلف مستوياتها، وتبني إنشاء رصيف صيد لصيادي المركز وتخصيص مداخل إلى البحر لهم من أجل الصيد، ودعم هذه القرى وأبنائها ببعض المشاريع الخاصة مثل سيارات النقل، ومراكز سكنية، ومدارس مثالية، ومنح بعثات تعليمية متخصصة لأبنائها داخل المملكة.
إن معاناة أبناء القرى حول المشروع معاناة كبيرة، ولولا الله ثم دعم الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية وبعض أهل الخير، لانحرف أبناء هذه القرى في أعمال لا تحمد عقباها، وقد حصل لبعض منهم، وكانت المخدرات وما زالت أكبر شبح يهدد أبناء هذه القرى.
إن أسوتنا في البعد الاجتماعي وبرامج المسؤولية الاجتماعية هي شركة أرامكو الرائدة والتي حولت العديد من أبناء المنطقة الشرقية إلى رجال أعمال ناجحين، وفتحت لبقية أبناء المنطقة فرص عمل كبيرة وتبنتهم في التدريب والابتعاث، وكذلك تعمل شركة سابك، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية. وإن تجربة مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وشركة إعمار في دعم تأهيل وتدريب وتعليم أبناء القرى هي تجربة يحتذى بها. وكلي أمل في أن يستكمل مشروع الأمير خالد الفيصل في تطوير القرى بمنطقة مكة المكرمة، وسيكون هذا استكمالاً لإنجازاته الرائعة والمبدعة في منطقة مكة. متمنياً على الشركة العملاقة شركة الروبيان الوطنية أن تأخذ المبادرة لخدمة أبناء مجتمعها مركز الغالة وقراه. وأخشى ما أخشاه على نشاط الشركة بظلم ذوي القربى من أبناء القرى المحيطة وشكوى الفقراء والمساكين فيها إلى الله.