إذا أردت أن تدرس ثقافة أمة من الأمم فلا تنس أن تركز جيدا على مصطلحاتها. الحفر في المصطلحات فعل ثقافي لازم يعينك على فهم الخطاب الثقافي.

اللغة، وخاصة في الإعلام؛ تكشف كل حمولات الثقافة وتوجهاتها لهذه المؤسسة الإعلامية أو تلك. ومهما ادعت بعض الفضائيات العربية الجادة والواسعة الانتشار التزام الحياد أو المهنية في بعض القضايا أو الأحداث فإن مفرداتها المبثوثة في عناوين نشرات الأخبار ما تلبث أن تكشف زيف هذا الادعاء. ومتى كان هناك إعلام محايد؟! اللهم إذا كان الحدث أو الخبر لا يتماس مع الفضاءات الثقافية والمصالح الخاصة لتلك القناة أو المؤسسة الإعلامية.

هناك شروط للحياد والمهنية، غير أن الإنسان، إعلاميا كان أو مثقفا، سياسيا كان أو حتى من عامة الناس؛ لا يمكنه أن يكون محايدا في جل القضايا، وإلا انتفت فاعليته كإنسان، وألغي دوره ورأيه، وما الإعلامي والمثقف والسياسي إلا إنسان تشكل وعيه في حضن ثقافته التي نشأ فيها.

بعض الفضائيات العربية تصف التغيرات الأخيرة في المشهد المصري بـ"الانقلاب"، وأخرى تصفها بـ"الثورة التصحيحية"، وبعضها الآخر بـ"استئناف الثورة".. ولكن دور هذه الفضائيات يجب ألا يقتصر على ركوب الموجات التي تناسبها في هذه التغيرات الطارئة، وقد أحدث الإعلام أثره في الربيع العربي، بل ينبغي عليها أن تتنازل "قليلا" عن توجهاتها، وأن تستدعي كل النخب العاقلة من كل فصيل وتيار وحزب لعقد مجالسات وحوارات تمهد لطرح حلول موقتة بين الخصوم السياسيين خاصة في مصر، وبالطبع عن طريق الرموز الثقافية لكل تيار، هذا أقل ما يمكن لهذه المؤسسات الإعلامية فعله، إن أرادت أن يكون لها دور ثقافي رائد في هذه المرحلة المتحولة من التاريخ العربي.

التغطية الإعلامية لما حدث في ثورات العرب هي انعكاس لكل الصراعات الثقافية التي تختلج داخل، شخصية الفرد العربي، قبل أن تكون انعكاسا لتلك الصراعات بين النخب والأحزاب والتيارات السياسية، وكأنه ينبغي على هذه الأجيال من شباب العرب أن تدفع ثمن الاحتقان والكبت، والرجعية والتسلط والوصاية لقرون طويلة من تاريخ المغالبة لأمتنا العربية.