على أبواب العام الدراسي المقبل، حسبت أن لدينا ما يقرب من تسعة أنظمة مختلفة لأنواع المدارس وبناء مناهجها المختلفة في التعليم العام. كل القصة في هذه المهزلة التربوية أن آلافاً، بل مئات آلاف الأطفال يذهبون لنظام تعليم معين لا خيار لهم فيه لأنه خيار أولياء أمورهم وقرارهم يحدد مستقبل طفل. يكتشف الطفل حين يكون شاباً فيما بعد أنه أدخل إلى نفق أضيق بكثير من خياراته كطبيب أو مهندس أو تقني مثلما يكتشف أن زملاء حياته في مسارات التعليم الأخرى، وبالصدفة، قد وجدوا أمامهم بعيد الثانوية العامة كل الفرص المشرعة بلا حواجز سوى أرقام النتائج ومحصلات الامتحانات المختلفة.

وقفت على قصص مثل هؤلاء الضحايا في عشرات الحالات. هذا العبث الممنهج يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق هؤلاء الأطفال، لأن غيرهم من يقرر عنهم بالنيابة ولأننا أيضاً وبالقرارات الرسمية نفتح لأولياء أمورهم نوافذ للتعليم المتخصص وخيارات مختلفة دون أن يكون لدى هؤلاء الآباء أو الأسر حتى الحد الأدنى من الوعي لتقرير مستقبل طفل. أطفال يدفعون إلى خيارات ضيقة من التعليم تحت طائلة العواطف، وبالبراهين، يتحولون مع الزمن إلى مناهضين وكارهين لهذه الخيارات حين يضيق بهم المستقبل وتقل أمامهم فرص الحياة في التخصصات الجامعية فيما بعد. هذا التنوع اللامبرر في برامج التعليم العام وأشكال مدارسه وبناء مناهجه عبث يجب على وزارة التربية والتعليم أن تعيد النظر إليه. عليها أن تبني نظاماً تعليمياً يترك للطفل وللشاب وللرجل أيضاً أن يقرر بنفسه في اللحظة المناسبة من حياته خياراته بقراره المستقل الواعي بدلاً من أن يجد نفسه على مشارف العام الثامن عشر ووحده في خيارات محدودة وضيقة. نحن نعدم بهذه الخيارات المفتوحة ألمع العقول بلا ذنب سوى أنه كان طفلاً في السادسة وقد اختار له أهله مدرسته وشكل حقيبته ونوعية مناهجه. لدينا كل عام (ثانوي) ما لا يقل عن 50 ألف شاب من هؤلاء الضحايا: هم لمجتمعهم قنبلة موقوتة.