منذ أن استحدثت فكرة الانتخابات البلدية لتكون هي الوسيلة للوصول إلى عضوية مجالسها وكثير من الناس يسأل عن حقيقة الأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات وطبيعة مشاركتها في الحراك التنموي ومدى فاعلية هذه المشاركة.

إن الناظر والمتابع لهذه المجالس يرى فيها حيودا عن الهدف الذي من أجلها أنشئت، فحلم المواطن بمشاركة فعالة مع الأمانات من خلال هذا المجلس بدأ بالتبخر أو أنه بالفعل تبخر، فمناشط هذه المجالس كانت وما زالت مناشط إعلامية ولقاءات جماهيرية، الهدف منها تحسس رأي المواطن ومحاولة امتصاص غضبه بتعابير تبريرية أصبحنا نحفظها ونراها لزمة من لزمات هذه المجالس تعكس مستوى خطابة المعلن للمواطنين، ولكن عندما نعود للحملات الانتخابية التي سبقت وصول هذا العضو أو ذاك نجدها وعودا براقة تعد بالكثير والكثير للمواطن، ويبذل الناخب خلالها الكثير من (المال والماء) لجذب الناخبين ومحاولة استمالتهم لتزكيته ليكون عضوا في هذا المجلس وليكون المجلس هو المكانة الاجتماعية التي تضفي عليه البعد الذي طالما حلم به وتمناه.

إن العضو من هؤلاء الأعضاء أبعد ما يكون عن الهم العام وعن الاحترافية التي تخوله ليكون عضوا في مجلس بلدي يفهم احتياجات المواطن ويتسلح بخبرة تساعده على تسخير هذا الفهم لينعكس واقعا يستفيد منه الجميع، فجل أولئك الأعضاء خدموا في بيئات وظيفية ليس لها علاقة بالمفاهيم البلدية وخصوصيتها؛ ولكنهم وتحت تأثير الطموح والوصول يعسفون المفاهيم والمعارف للوصول الذي يكون هو الهم الأول وربما الأخير.

وعندما يحين اللقاء مع الجماهير تكون الإنشائية هي أسلوب الخطاب الذي يتسلح به أعضاء هذه المجالس، وتظل اللائحة المنظمة لهذه المجالس هي الشماعة التي يعلق عليها هؤلاء الأعضاء التقصير والمشاكل المختلفة، وما أن يحمى وطيس الحوار تجد الأمين في المنطقة وطاقم عمله هم من يملكون المعلومة والأرقام والخطط، ويصبح هؤلاء الأعضاء مجرد شهود أو رواة على أحسن الحال لهذه الفترة من تاريخ عضويتهم فى هذه المجالس.

نحن نمر بطفرات تنموية غير مسبوقة وفكرة المجالس البلدية فكرة خلاقة ولعل إقرارها يؤكد أن الدولة تسبق المجتمع ونخبه في ابتكار كل الوسائل التي تزيد من مشاركة المواطن في عملية التخطيط والبناء، إلا أن فكرة الانتخابات وما تفرزه من وصول لكثير من هؤلاء الأعضاء تظل فكرة غير محمودة العواقب في الإتيان بأشخاص منعدمي الخبرة في أعمال كهذه، والأفضل أن يتم تعيين نخبة من التكنوقراط – إذا جاز التعبير – من الذين يتفهمون أعمال البلديات وخصوصية التعامل مع المشاريع والخطط التنموية، ولا بأس من أن يكون المواطن هو الرقيب الأول على هذه المجالس من خلال تفعيل آليات لذلك الغرض، أما استمرار الانتخابات بهذه الطريقة وجعلها وسيلة الوصول إلى هذه المجالس فهذا يزيد من إحباط المواطن ويضعف فرص إنجاح هذه المجالس لتصبح مجرد "تكايا" لكل باحث عن وجاهة اجتماعية أو حضور إعلامي يكون على حساب المنجز والهدف والغاية.