من الحقوق الملقاة على عواتق المنابر بمختلف أشكالها وأنواعها المقروءة والمرئية والمسموعة أن تقول للمحسن أحسنت وليس فقط اتخاذ النقد منهجاً. لا تحيد عنه، هنا الموضوعية وهنا دعم الإيجابيات وهنا تحفيز المنجز والثناء عليه.

ولعله قد لفت انتباهكم ما أشارت إليه الصحافة قبل أيام من اتخاذ وزارة العدل خطوة إيجابية تمثلت في تخصيص دوائر خاصة للنظر في القضايا الإنهائية، وهذه الخطوة لها مردودات إيجابية تتمثل في التخفيف من الأعباء الملقاة على عواتق المحاكم، حيث أشار بيان وزارة العدل إلى أن الوزارة نقلت جميع اختصاصات القضايا الإنهائية من المحاكم العامة إلى هذه الدوائر، ويعني مصطلح "القضايا الإنهائية" الإجراءات التي لا تحتاج إلى خصومة مثل الأذونات والإثباتات والطلبات والأوقاف وحصر الورثة وولايات القصر وإثبات وصايا وإثبات إعالة والحالة الاجتماعية وغيرها من الإنهائيات.

وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة قد أزالت ما نسبته 44? من أعمال المحاكم، حيث لن تنشغل المحاكم بهذا النوع من القضايا التي لا تتطلب عدداً كبيرا من القضاة لإنجازها، فضلاً عن أن التخصص النوعي يسهم في التقليل من عدد القضايا على المحكمة وإتاحة الفرصة الأكبر في المواعيد لأصحاب القضايا غير الإنهائية التي تنظرها المحكمة وفق تخصصها.. تحتاج مؤسساتنا ووزاراتنا إلى تقييم مستمر يقوم به أكفاء يتناول كافة الأعمال التي تقوم بها المؤسسات والوزارات للتحديث والتطوير والتعديل والحذف والإضافة بما يكفل أداءً فاعلاً ومميزاً.. هذا التطوير يؤدي إلى تطوير الوطن وجعله في مستوى يتناسب مع عصرنا ويتناسب مع مستوى العالم الأول، فنحن لا ينقصنا شيء وتتوفر لدينا كافة الشروط الموصلة له، نحتاج فقط أن نغير طريقة تفكيرنا وطريقة نظرتنا للأمور بطرق يكتنفها رؤى ثاقبة وحماس متَّقِد وعمل دؤوب، بطريقة نقبل بها ونسعد بسماع الأخبار السلبية عن مؤسساتنا ووزاراتنا ونشجع على إيصالها لنا كمسؤولين، ولا ننتظر من العاملين معنا البحث والتنقيب عن الأخبار الجيدة، فكلها أو معظمها أو بعضها مريب ومضلل ويهوي بنا وبأدائنا إلى مستويات لا نحمدها، خصوصاً إذا كان المسؤول الأول يشجع عليها.. يقول بل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، في كتابه المميز " Doing Business at the Speed of Thought: "الأخبار الجيدة التي تصلني عن مايكروسوفت تشعرني بالريبة.. ولا أشجع عليها، بل على الأخبار السلبية التي أطلب من كل موظف في مايكروسوفت أن يوصلها إلي.. وأنا أقرأ (كل) إيميل يصلني .. صحيح أنا لا أرد عليها جميعاً لكنني أقرأها وأعرف كل ما يحدث في مايكروسوفت." ولكي يفعل هذا المبدأ أسس في مايكروسوفت ما يسمى بـ"النظام العصبي" للشركة، بحيث يستطيع أي موظف أن يتواصل مع كل العاملين في الشركة، بمن فيهم رئيسها.. وأنشأ ثقافة أن كل العاملين مسؤولون عن كل الإخفاقات حتى لو لم تكن تلك الإخفاقات في القسم أو الإدارة التي يعملون بها، ولهذا فالجميع مسؤول عن الحل وليس العاملون المباشرون.

إذن نوع الأخبار التي تصل إلى المسؤول الأول ثقافة يؤسسها ويشجع عليها المسؤول الأول في أي مؤسسة أو وزارة.. بعضهم يؤسس ويشجع على إيصال الأخبار الجيدة ولا يقبل سماع غيرها، ومن يوصل أخبارا سلبية يجب استئصاله من المؤسسة، فهو غير مرغوب فيه حتى لو كانت الأخبار التي يوصلها صحيحة ومدعومة بالشواهد والأمثلة والأدلة.. وحتى لو أنه يتمتع بنوايا حسنة وهدفه الارتقاء بالمؤسسة .. والبعض، وأظن أن هذا قليل أو نادر حتى لا أقول إنه منعدم، يشجع على معرفة الأخبار السلبية عن مؤسسته ولا ينزعج منها، لعلمه اليقين أن هذا هو الطريق الصحيح لتطوير العمل وتحسين الأداء، انطلاقاً من النقد الذاتي الذي تنتهجه الآن كل المؤسسات والشركات العملاقة، وهو منهج أساسي من مناهج التقويم والاعتماد ومنح رخص التميز.

مشكلتنا في مؤسساتنا وأعمالنا النظرة الضيقة والثقافة المحدودة التي لا تمكننا من رؤية الجهاز الذي نعمل فيه ككل، ونسعى للعمل على تطويره ككل مهما اختلفت مواقعنا في ذلك العمل، بل إننا في أحايين، تقل أو تكثر، نتحدث عن مشكلة في جهازنا وكأن الأمر لا يهمنا.. وفي أحايين أخرى نتشفى على من لديه مشكلة من الزملاء العاملين، وكأن الأمر أيضاً لا يهمنا.. هذا النوع من الثقافات أدى إلى تأخر أداء أعمالنا، لأننا لا نسهم في تطويره كفريق واحد ولا نكترث للمشكلة التي تحل به إن كانت خارج نطاق إدارتنا.. هذا النوع من الثقافات لا وجود له في مؤسسات العالم الأول.

وخلاصة القول نحن كأصحاب منابر مسؤوليتنا أن ننظر إلى الأمور نظرة موضوعية، نشيد بالجادين المتميزين ونثني على إنجازاتهم، وهنا تحدثنا عن إنجاز نوعي لإحدى وزاراتنا، وزارة العدل، التي انتهجت منهجاً في محاكمها يؤدي إلى تطوير الأداء وسرعته .. نشد على أيدي العاملين فيها وندعو الله جلت قدرته لمؤسساتها ووزاراتنا ولمسؤولينا التوفيق وسداد الخطى .. ففي ذلك ازدهار لوطننا وراحة لمواطنيه ومجاراة لعصرنا ومواكبة للعالم المتقدم.