إذا كانت هناك مؤامرة كما درج في السياق الثـقافي العربي، فنحن من نحـيكها لأنفـسنا، بل إننا نخلقها بطريقة لا تخطر على بال عدو أو صديق، ثم نتفنن في وضع ما يكفي من الظروف والتبريرات لعداء بعضنا البعض، ونصف بعضنا بالشياطين والملاعين والإرهابيين والزنادقة، ثم ماذا أخيرا، المواجهة والدم.

الأحداث المصرية الأخيرة فعلـت ما لم تـفعله أحداث عربيـة تاريـخية كبرى، لقد أحدثت انقسـاما كـبيرا بين المواطنين العرب في شتى البلدان والأصقـاع، وتحولوا إلى فسـطاطين، واحد يرى أن الإخوان جماعة إرهابية تستحق السحق والإبعاد ولو بالدم، والآخر يرى أن مواجهتهم بالقتل والترويع هو الإرهاب الحقيقي، الذي تمارسه الدولة في صورة من صور الاستبداد بما يهدد الثورة.

هذا الانقسام تجاوز الشارع المصري الملتهب واستقر في كل بيت عربي، فتجد المهاترات والمشاحنات تملأ المجالـس وتـطغى على الحوارات، ويتـخلل ذلك استـعادة للـتاريخ ووضـع الأحكام القطعية التي لا تقبل الجدل، فيما يدفع المصريون ثمن هذا الخلاف من دمائهم وحياتهم واستقرارهم.

يؤكد علي الـوردي، أن "اتجاه حركة الإصـلاح في المنطق العـلمي الحديث، هو تـقدمي يستند إلى إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية ولا يحاول العودة إلى زمن ما قبل نشوء الظاهرة"، وهو ما لا يعمل به في العقل العربي بتاتا.

وإزاء هذه القـضية تـحديدا، يتسابق الجـميع للعودة إلى الخلف واسـتعادة الأوراق القديمة للدفاع عن القضية أو الهـجوم عليها، ولم يأخذ أيهم المنطق العلمي التقدمي بعين الاعتبار في تجاوز الواقع واستقراء المستقبل، لذلك تجد القوم مشغولين بماضي "الإخوان" والعسكر أكثر من حاضرهم، وأيا منهم لا يقدم حلا، لتستمر المؤامرة التي نحيكها كعرب لأنفسنا بإتقان تام.