في الوقت الراهن يمنح أحقية الدخول لكلّ من كان متفوقا في علاماته في سنة التوجيهي، وهي سنةٌ أتذكّرها جيدا ودرست فيها إلى حدّ الإرهاق والإغماء، لأنّني كنت أعرف أنها سنة مصيرية حاسمة في مجرى حياتي، وأذكر تماما حين خرجت من امتحان الثانوية وكان يطلق عليها البكالوريا بقيت شهرا مستلقيا على الفراش لا أستطيع النهوض إلا بصعوبة من فرط التعب والإعياء، ولكنني كنت مختصرا مضغوطا في دماغ، يستطيع مخّي أن يلتهم كتابا ويستوعبه في نهار أو ليلة أو بضعة منهما، وهنا أدركت حقيقة التركيب والغذاء في الفكر والعقل، وأن العقل ينقدح ويصقل لأبعد الحدود بقلة الطعام والسهر والتعب والمتابعة، ولكن القليل من يفقه وينتبه لهذا المعنى..

ولكنني انتبهت بعدها إلى شيء جوهري أزعمُ أنه يجب أن يراعى في دخول كليات الطب عندنا؛ فليس كل من حقق معدلات عالية في العلامات يدخل الطب كما هو المتعارف عليه حاليا! بل لابد من تحقيق قدر من الشروط النفسية والخلقية والعقلية كي يحظى بهذا المكان الحساس في جسم المجتمع، وعندنا في هذا الصدد مجموعة من الأفكار التأسيسية:

1 ـ في الكليات العسكرية يتقدم الشاب إلى امتحان لا يوصف بالسهل كي يدخل الكلية العسكرية، من فحص البنية والعينين والقوة والخلو من التشوهات والأمراض والعلل وما شابه..

في تقديري أن فحصاً أقسى منه وأكثر صرامة يجب أن يُوضع لقبول المتقدم إلى كلية الطب لدخولها.

2 ـ من المهم جدا التأكد ليس فقط من جَلَد هذا الشاب وحفظه للمعلومات وتحصيله نسبة 99% بل يجب النظر إليه من إطار أخلاقي صارم.

وابن خلدون مثلا يشترط في الحاكم العدل والاعتدال في الذكاء وليس فرط الذكاء، لأنه سيتعب من حوله!

جاء هذا في قصة تولية عمر لزياد ابن أبيه للعراق ثم عزله فلما سأله لماذا عزلتني لعجز أم خيانة؟ قال ليس هذا ولا ذاك ولكن كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس!

وهنا يجب استبعاد البحث الإيديولوجي والولاء الحزبي وما شابه، بل الخضوع إلى لجنة فحص تدقق في مفاهيم هذا الشاب ونظرته للحياة، وماذا يعني له الطب عموما؟ لماذا اختار الطب؟

3 ـ يجب مراعاة التدقيق في سجل المتقدم لدراسة الطب وسيرته العائلية والذاتية ورحلته الدراسية وصداقاته وهفواته وعموم حياته حتى يتم التأكد من تسليم مثل هذه الأمانة في يد من يستحقها. وهنا يجب عدم اعتماد الولاء الحزبي والقبلي والعشائري والعائلي وما شابه، كما ذكرنا بل الولاء الأخلاقي ومساعدة الأنام وحب الخلق ومعنى الجمال وحب الله والمقدس في حياة هذا الشاب.

4 ـ يجب إخضاع الشاب إلى فحص نفسي عقلي كما هو المعروف في المتقدمين لوظائف هامة. كما يجب اعتبار دخول الشاب كلية الطب كأنها وظيفة هامة.

5 ـ فحص الذكاء كان ساري المفعول حتى هذه الأيام تحت مؤشرات معروفة عقلية من قدرة التذكر والتحليل العقلي وما شابه. هنا يجب التركيز على الذكاء العاطفي (EI = Emotional Intelligence).

ويراجع في هذا كتاب الذكاء العاطفي( دانييل جولمان) نشر سلسلة عالم المعرفة الكويتية، وقراءة دورة المخ العاطفية عند جوزيف دو لو...

أعرف أن هناك من سيهز رأسه عجبا أو إعجابا ولكن هي أفكار وليست قرارات أضعها بين يدي أصحاب القرارات.