دعك من أحداث مسجد الفتح، وما تبعها من تغطيات مضحكة عبر قناة الجزيرة والجزيرة مباشر، ودقق في ملامح عبدالفتاح السيسي وابتسامته، وهو يقدم بيانه التلقائي مساء أول من أمس الأحد، أمام قيادات ضباط الجيش والشرطة، بعد أيام فقط على الانتهاء من اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة، بالتأكيد ستستمع في الجزيرة مباشر إلى تحليلات من قبيل أن الرجل كان متوترا، وأنه فكر أن يلبس نظارة ليخفي الارتباك الذي كان عليه، كل هذه مجرد عبارات تهدف للتشويش على واقع مهم ومؤثر، وهو أن الإخوان سقطوا تماما، لا بفعل الضربات الأمنية، فالرصاص الذي خرج من بنادق الخرطوش التابعة لميليشيا جماعة الإخوان ربما يتفوق على الرصاص الذي خرج من فوهات بنادق الشرطة والجيش، لكن الإخوان إنما سقطوا تماما بفعل حالة الغباء، وقلة البصيرة، والمراهقة السياسية والمعرفية التي تعاني منها الجماعة.
نعم، هذا واقع مهم بالفعل، فلا يوجد في الجماعة على امتداد ذلك العام الكئيب الذي حكمت فيه مصر، ولا بعد أن أصبحوا خارج الحكم أية شخصية تستحق الرهان عليها، الرئيس مرسي مثلا الذي يعد أضخم نكتة في الإعلام المصري والعربي، من خلال شخصيته البسيطة التي لا ترقى لأي أداء يصلح لحمل مسؤولية ضئيلة، فضلا عن رئاسة دولة، أو بقية الجوقة الطيبة من الجماعة، التي كشف منطقها الاجتماع الذي أذيع خطأ، والذي كانت تناقش فيه الجماعة قضية سد النهضة الإثيوبي، وما اشتمل عليه من آراء أقل ما توصف بأنها سخيفة، وأنها انعكاس لضآلة العقول التي كانت تدير تلك المرحلة. كل تلك لم تكن سوى أدلة تقنع الشارع المصري أن ما يحدث من حكم الجماعة لا يستحق الاحترام ولا التقدير.
يعود ذلك إلى سبب بارز جدا، وهو أن الجماعة حين وصلت إلى الحكم تحركت من خلال شخصياتها العتيقة المأزومة المؤمنة بأن الصناديق لم تكن سوى تقدير إلهي يوصلها إلى الحكم، فاندفعوا بكل أخطائهم السابقة، وبكل شخصياتهم العتيقة لإدارة بلد في فترة تحول ضخمة، كل القضايا الجديدة والحديثة التي كانت تمثل محورا حقيقيا للنهضة لم تجد من عقول الجماعة ومن ذهنياتها من يستطيع أن يستوعبها، وتم استبدالها بأفكار سطحية ومثالية عن "طائر النهضة"!
انتهى كل شيء تقريبا قبل أن تكمل الجماعة عامها الأول في الحكم، إنها نموذج للطارئ والعابر وغير الحقيقي، أشبه بطفل صغير يجد نفسه فجأة في صدر المجلس، لا الظرف ولا الواقع المصري، ولا كل الظروف المحيطة كانت يمكن أن تستوعب تلك الرعونة التي مارستها الجماعة على مختلف المستويات، وزاد من سوئها ذراع إعلامي متهالك، ووجوه إعلامية رديئة الأداء، ضاعفت من الصورة السلبية عن الجماعة لدى مختلف أوساط الشارع المصري، كانت الصورة تتآكل شيئا فشيئا، دون أن يتحرك أحد، بل ليس من المبالغة القول دون أن يستوعب أحد أصلا، ولو لم تقم حركة تمرد لابتكرت مصر وسيلة أخرى لجمع آرائها ومواقفها الرافضة للجماعة.
حين قررت الرئاسة المصرية فض اعتصامي رابعة والنهضة كانت تدرك أن أخطاء الجماعة وخطابها السيئ الذي كانت تبثه من منابر الاعتصامين سيوفر غطاء شرعيا يجعل من الشارع المصري مساندا لها، فلقد قضت الأخبار المتواترة من رابعة والنهضة على أي تعاطف يمكن أن تحظى به الجماعة، وزادت تصريحات قيادات الجماعة الوضع سوءا، حتى المواقف الدولية تكون مجرد إعلانات عابرة وردود فعل طبيعية لا تلبث أن تتوارى أمام حسابات المصالح السياسية، إضافة إلى أن الموقف السعودي والمواقف التي قدمتها أكثر الدول العربية، قد مثلت دعما دوليا حقيقيا ومؤثرا لما قامت به الدولة من إجراءات لمواجهة العنف، خاصة أن الجميع أدرك بوضوح أن صفة السلمية لم تكن الأنسب لوصف اعتصامي رابعة والنهضة.
انتهت الآن كل الفرص التي كان من شأنها أن تساعد الجماعة على النهوض مرة أخرى، لقد حصرت نفسها في موقف واحد، وهو العناد وصولا إلى الفناء، حدث ذلك أثناء إدارتهم للدولة، وحدث بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وحدث أثناء الاعتصامات، وحدث أيضا بعد فضها، وكل يوم يمر على الجماعة وهي هي بقياداتها وبتفكيرها العتيق وبغياب الرؤية السياسية لديها، تؤكد أن وصولها للسلطة كان بداية ذوبان الجليد الذي تكوم على مدى ثمانين عاما، الآن ربما لم يبق من الجماعة إلا ذكرياتها السيئة.