يعد النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية وخاصة كرة القدم أهم مواردها المالية، وقد ارتفعت قيمة عقود النقل التلفزيوني للبطولات والدورات العالمية إلى أرقام فلكية خلال العقدين الأخيرين، وبلغت مليارات الدولارات بعد أن كانت في السابق لا تتجاوز مئات الملايين، هذا التطور والارتفاع الهائل في الأجور والعقود أحدث تطورا ونقلة كبيرة في النقل التلفزيوني، واتخذت بعض المحطات التشفير سبيلاً لتعويض ما دفعته من ملايين مقابل الحصول على حقوق النقل التلفزيوني، وتذكرون كيف كان احتكار النقل التلفزيوني لأحداث عالمية في مقدمتها كأس العالم لكرة القدم اتي شاركت فيها المملكة عدة مرات وتشفير بثها.
النقل التلفزيوني لدوري كرة القدم في المملكة يعود للواجهة ليس من حيث التشفير ـ الذي ولى زمنه لدينا في المملكة ـ وإنما من حيث بيع الحقوق نفسها.. وكمدخل لهذا الموضوع الحيوي المتعلق بأهم موارد كرة القدم للأندية في المملكة التي تعاني أصلاً من قلة مواردها المالية، أود أن أذكر أن قيمة النقل التلفزيوني لمباريات كرة القدم ـ الدوري المحلي ـ قد تدرجت من 25000 ألف ريال للمباراة الواحدة كان يدفعها التلفزيون لرعاية الشباب والتي بدورها توزعها على الأندية، وذلك كان طبقاً للتعرفة واللائحة المالية التي كان معمولاً بها منذ ثلاثين عاماً! إلى أن تطور النقل التلفزيوني نوعاً ما فتم بيع حقوق المباريات التي لا ينقلها التلفزيون السعودي إلى محطات تلفزيونية خاصة مقابل مبلغ عشرة ملايين ريال سنوياً، ثم قفز النقل التلفزيوني عام 2006 قفزة هائلة بسبب إعلان بيع الحقوق عن طريق منافسة عامة، وهو الأمر الذي ارتفعت بموجبه حقوق النقل التلفزيوني إلى 100 مليون ريال للموسم الواحد مع إعطاء التلفزيون حق نقل 90 مباراة، ثم ارتفعت قيمة النقل بعد تمديد عقد الشركة الناقلة إلى 150 مليون ريال سنوياً، وبعد نهاية ذلك العقد عام 2011 م تم منح التلفزيون السعودي حقوق النقل ـ دون منافسة ـ بنفس قيمة العقد السابق ولثلاثة مواسم على أن تدفع وزارة الإعلام هذا المبلغ على دفعات للاتحاد السعودي لكرة القدم الذي يقوم بدوره بتوزيعها على الأندية، هذا سرد مختصر لتاريخ النقل التلفزيوني لمباريات كرة القدم في المملكة، فماذا عن مستقبل النقل التلفزيوني.
تدور الآن أحاديث كثيرة ويرتفع صوت من يعنيهم الأمر بالنسبة لحقوق النقل التلفزيوني اعتباراً من نهاية الموسم الجديد الذي ينطلق نهاية هذا الأسبوع؛ حيث ينتهي منح التلفزيون السعودي حقوق البث، فالتلفزيون بدأ يعلن تسريبات أنه طلب التمديد له ثلاثة مواسم أخرى على اعتبار أنه التلفزيون الرسمي الحكومي وبثه مفتوح غير مشفر ولديه قنوات تلفزيونية قائمة أساساً على بث مباريات الدوري، لكنه يدرك أن مرجعية الحقوق حسب أنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" هي للاتحاد السعودي لكرة القدم، وأن عليه بطبيعة الحال أن يدفع أكثر إذا ما أراد الاحتفاظ بحقوق النقل.. وفي المقابل يرتفع صوت الاتحاد السعودي لكرة القدم ممثلاً برابطة دوري المحترفين إذ هو صاحب ومالك الحقوق ولا يزاحمه في ذلك أحد بموجب أنظمة الفيفا كما ذكرت.. يقول الأستاذ محمد النويصر نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم رئيس رابطة دوري المحترفين في حديث موسع نشرته جريدة اليوم نهاية شهر شعبان الماضي، يقول رداً على سؤال حول حقوق النقل التلفزيوني "إن الاتحاد السعودي والرابطة يعرفان ويعيان أن إنقاذ الوضع المالي المأساوي للاتحاد والأندية لن يتم إلا بعد إعطائنا الحرية في بيع حقوق النقل التلفزيوني، وهذا الأمر متروك لنا كرابطة بالتعاون مع الاتحاد في بيع حقوق النقل التلفزيوني، وهذا شيء إيجابي، ونؤمن إيماناً تاماً بأن التلفزيون السعودي لا بد أن يكون شريكاً أساسياً معنا لكن ليس بالمبلغ الذي يريده ويحدده، ويضيف النويصر أن التلفزيون أصبح الآن هيئة لها مجلس إدارة وذات شخصية اعتبارية ومستقلة مالياً، فنظامها تجاري ولديها مرونة مالية ونحن جهة تجارية أيضاً، والمفترض أن يتم الأمر وفق نظام تجاري وبمعنى أوضح مزايدة، فمن يدفع أكثر من القنوات الرياضية يستحق أن ينقل الدوري حسب أنظمتنا وشروطنا"، يضيف النويصر "ويجب على التلفزيون السعودي أن يدخل في هذه المنافسة وإن فاز فأهلاً وسهلاً"، لكن مسألة تحديد المبلغ هذا أمر مرفوض حسب كلام النويصر فلا الأنظمة الدولية تقره ولا أيضاً مسؤولو الأندية في الرابطة موافقون على ذلك، وحول وجود دراسة متكاملة لحقوق النقل يقول النويصر "إن لدينا دراسة كاملة ونعلم حجم الإيرادات التي ستصلنا لو طرحت المنافسة كمزايدة ولو تم ذلك فلن نحتاج مستقبلاً لأي دعم مادي"، ثم تحدث عما يرى أنه سلبيات في مستوى إنتاج النقل التلفزيوني، منتقداً آلية التسويق لدى التلفزيون، ويرى أن كرة القدم هي منتج مهم فهي اللعبة الشعبية الأولى وقد عرفت البرازيل مثلاً عن طريق كرة القدم، ثم عرج النويصر في حديثه الطويل والمهم على الإجراءات الروتينية التي تؤخر صرف مستحقات النقل التلفزيوني لدى وزارة المالية، وهي المستحقات التي يجب أن تكون جاهزة عند حلول موعد كل دفعة وألا نتحول إلى مراجعين ومعقبين ما بين وزارة وأخرى! ويفترض أن المبالغ تأتي من التلفزيون لأنه هو الذي اشترى المنتج، وتأخير صرف مبالغ النقل يؤثر سلباً على الأندية وهي صاحبة الحق ..هذا ملخص ما قاله النويصر وهو تفصيل مهم يعبر عن رؤية وتطلعات اتحاد كرة القدم بالنسبة لحقوق نقل الدوري السعودي الذي هو مطلب كبير لجميع القنوات، ولكن ما رؤية التلفزيون السعودي في الموضوع يقول معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون أ. عبد الرحمن الهزاع في لقاء صحفي أجرته معه صحيفة الرياضية خلال شهر رمضان الماضي إنهم في القنوات الرياضية "متفائلون بعمل مؤسسي منظم من القنوات الرياضية التي تملك كوادر وطنية نفخر بها ومتفائلون بموسم جديد مختلف بالنسبة للنقل التلفزيوني،، وأنهم وقعوا مع ناقل جديد لنقل المباريات، ويضيف الهزاع أنه يتطلع لعمل إنتاجي أفضل..ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون يدرك قبل غيره أهمية الدقة في الإنتاج وفق التقنيات الحديثة، والتميز في الإخراج بما يضاهي القنوات الخليجية المنافسة.
وبعد؛ فهذه رؤية التلفزيون وتلك رؤية اتحاد كرة القدم، فما الرؤية الوسط التي تمنح التلفزيون حقوق النقل وفي الوقت نفسه تمنح اتحاد القدم والأندية حقها الطبيعي بمردود مالي مجز مقابل النقل كي يسد جزءاً من التزامات الأندية التي يرزح أغلبها في ديون متراكمة؟ الرؤية الوسط من وجهة نظري أشرحها في الجزء الثاني من هذا المقال الأسبوع المقبل إن شاء الله، فقد ضاقت المساحة هذا الأسبوع، وسأوضح من خلال خبرة عايشتها في حقوق النقل التلفزيوني أنسب الطرق للطرفين من وجهة نظري.