في ليلة عيد الفطر المبارك، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز دعوته لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب في مختلف أرجاء المعمورة، وتحذيره للعالم أجمع من خطورة تفشي الأفكار الضالة والهدامة، وتبرعه بمبلغ 100 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، للتأكيد على مدى التزام المملكة وإصرارها على مكافحة الإرهاب.

هذه الدعوة الصادقة جاءت لتغيير الاعتقاد الخاطئ عن الإسلام ولتوضيح الصورة الحقيقية لديننا الحنيف، الذي أساءت إليه الأفكار الهدامة المتفشية بين شعوبنا والفئات الضالة الخارجة عن تعاليم شريعتنا. فقد كان لاستخدام هذه الفئات للدين لباساً وترويع الآمنين وتسييس العبادات وتكفير العباد بغير حساب، أبلغ الأثر في تشويه صورة المسلمين وخدمة نوايا أعدائنا في كافة أرجاء المعمورة ومنحهم الفرصة السانحة لتقويض ما تبقى من سمعتنا والتباري والتهافت على تلقين شعوبنا الإسلامية دروساً في السلام والمحبة والوئام.

في تقريره السنوي المثير للانتباه، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أن 94% من العمليات الإرهابية التي تمت في أميركا خلال الفترة من 1980 إلى 2005 قامت بها جماعات غير إسلامية. وأضاف التقرير أن أكثر من 7% من هذه العمليات تمت على يد المتطرفين اليهود و24% على يد الجماعات اليسارية و42% على يد العصابات اللاتينية. وفي دراسة موثقة لجامعة "نورث كارولينا" الأميركية في عام 2012، أوضح رئيس فريق خبراء علم الاجتماع الدكتور "تشارلز كورزمان" أن عدد جرائم القتل في أميركا منذ أحداث سبتمبر 2001 ارتفع إلى 180,000 جريمة، منها 33 جريمة فقط تمت على يد الجالية الأميركية المسلمة، بينما تقاسمت الجاليات المسيحية واليهودية الجزء الأعظم من باقي الجرائم.

ورغماً عن هذه الحقائق الرسمية الدامغة التي توضح أن الإسلام بريء من الإرهاب، إلا أن شعوبنا الإسلامية، التي كرَّمها الله بنعمة الإيمان ورفع شأنها بالفرقان ووحد شملها تحت راية السلام، أصبحت اليوم تعاني اليوم من الفئات الضالة وعصابات الأفكار الهدامة الذين حققوا بأقوالهم وأفعالهم ما صَعُبَ تحقيقه على أيدي الأعداء من إساءة إلى سمعة ديننا وتشويه لحقيقة سيرتنا، مما عزز الاعتقاد الخاطئ بأن الإسلام هو رديف واقعي للإرهاب. ففي استطلاع للرأي العام الأوروبي يوم الخميس الماضي بسبب الأحداث الجارية في دول الربيع العربي، يعتقد 73% من الأوروبيين أن لديهم صورة سيئة عن الإسلام، في حين يحملون صورة إيجابية عن الديانات الأخرى. وتضيف نتائج الاستطلاع أن شعوب 16 من أصل 27 دولة أوروبية أصبح لديها اعتقاد سيئ عن الإسلام وغدت مرادفته التي تتبادر فوراً إلى أذهان المستطلعين تتركز في "الإرهاب" و"التعصب" و"عدم التسامح" و"الأصولية". وهذا يؤكد أيضاً ما جاء في نتيجة الاستطلاع الذي أجراه "معهد مونتينيه" الفرنسي في شهر أبريل الماضي، حيث أوضح أن لدى الفرنسيين اعتقاد محدد عن مختلف الديانات، تتراوح مستوياته بين صورة جيدة عن البوذية بنسبة 87% والبروتستانتية بنسبة 69% والكاثوليكية بنسبة 76% واليهودية بنسبة 64%، وتتدنى هذه النسبة إلى 26% بالنسبة للإسلام. وتأتي هذه الاستطلاعات لتؤكد أيضاً نتيجة التحقيق الذي أجراه "معهد إيبسوس" في نهاية شهر يناير الماضي لصحيفة "لوموند" الفرنسية وأثبت أن 75% من الفرنسيين يعتبرون أن الإسلام لا ينسجم مع قيم الجمهورية الفرنسية.

هذه الاعتقادات الخاطئة لم تأت من فراغ، إذ إن المؤشر العالمي للإرهاب أكد في تقريره الأخير الذي شمل 158 دولة، أن 31 دولة فقط لم تشهد عملاً واحدا مصنفاً على أنه عمل إرهابي منذ عام 2001. وأوضح المؤشر أن أكثر دول العالم تأثراً بالهجمات الإرهابية خلال العقد الماضي هي 6 دول إسلامية، تبدأ بالعراق ثم الباكستان وأفغانستان واليمن والصومال ونيجيريا. فمنذ 11 سبتمبر 2001، وصل عدد ضحايا الإرهاب من العراقيين إلى 33% من إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم، بينما يشكل مجموع ضحايا الإرهاب في كل من العراق وباكستان وأفغانستان نسبة 50% من ضحايا العالم، وذلك نتيجة لتضاعف عدد الهجمات الإرهابية في هذه الدول بنسبة 400% كل سنة منذ عام 2001. كما أشارت الإحصائيات إلى أن العمليات الإرهابية في هذه الدول خلال العقد الماضي ارتفعت من 982 عملية تسببت بمقتل 3,823 شخصاً في عام 2002، إلى 4,564 عملية تسببت بمقتل 7,473 شخصاً في عام 2012.

للأسف الشديد أن معظم الأرواح المزهقة جراء العمليات الإرهابية للفئات الضالة في العالم الإسلامي هم من المسلمين. في العراق أودت التفجيرات الانتحارية خلال العقد الماضي بحياة أكثر من 60,000 عراقي وإصابة ما يزيد عن 350,000 آخرين، يشكل المسلمون 89% منهم. ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي لاقى أكثر من 100,000 ألف شخص حتفهم، يشكل المسلمون 92% منهم. ومنذ ظهور جماعة "القاعدة" وحركات "طالبان" في أفغانستان و"بوكو حرام" في نيجيريا، ساهم انتشار التطرف الديني المذهبي في تشويه صورة الإسلام، وأودى بحياة 140,000 شخص من خلال 8,700 عملية انتحارية شنتها الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء الباكستان وأفغانستان ونيجيريا، ليشكل المسلمون 84% من الضحايا.

تفشي الأفكار الضالة والهدامة في مجتمعاتنا الإسلامية هو السبب الرئيس في تعظيم الاعتقاد الخاطئ لدى شعوب العالم بأن الإرهاب هو الرديف الوحيد للإسلام. فالاعتقاد في كثير من الأحيان أقوى من الحقيقة. وأمتنا الإسلامية في أمس الحاجة إلى تعديل هذا الاعتقاد الخاطئ.