بدايةً أشير إلى أنني هنا لا أقدم اصطفافاً سياسياً مع أحد. الأكيد بالنسبة لي هو الرفض التام للقتل، من أي طرف تجاه الآخر في مصر، وبالمناسبة فمصر هذه مليئة بمثقفين ومفكرين كبار، ومن العبث المزايدة عليهم في شأن بلدهم، وهم بلا شك قادرون على أن يسجلوا كلمتهم التي سيحاسبهم عليها التاريخ، حول ما حدث ويحدث وسيحدث. ما أود الحديث عنه هو حالة الهوس الديني، والذي تجلّت سقطاته وخرافيّاته لحظة وجود أصحابه (الإخوان) في موقع السلطة، وأتحدث عن هذا الهوس لأنه موجود لدينا أيضاً، لكن بصيغ أكثر مداراة، ربما لأن حامليه لم يجدوا ذات الفرصة التي سنحت في بلدانٍ أخرى، وإن كانوا يسعون إليها بمثابرة. يمكن ملاحظة ما يكتبونه في مواقع التواصل (الفيس بوك/ تويتر) المليء بالكذب والتلفيق والتكفير والدعاء والشتائم وشيطنة مخالفيهم. لقد كان تويتر والفيس بوك منصّة هوس ديني حزبي موازية لدينا، ولا اعتراض على إبداء الآراء. حديثي عن الهوس، فأحدهم مثلاً، نشر صورة ملفقة لرئيس الحكومة التركية أردوغان، وهو يبكي أثناء صلاته صلاة الميت على أمه، وكتب عليها أن بكاءه كان على قتلى رابعة العدوية أثناء صلاته على أرواحهم صلاة الغائب. (كتب الصديق أحمد عدنان مؤخراً مقالتين استعرض فيهما تغريدات عدد من الشخصيات).
في مصر سجلت منصّات الهوس هذه سيولاً من العجائب، وهنا مجرد أمثلة قليلة، سمعناها جميعاً، وهي متاحة على موقع اليوتيوب، مثلاً؛ اتصل شخص بمحطة تلفزيونية وأقسم بالله في مداخلته بأن الرئيس مرسي نبي من الأنبياء! في محطة أخرى يروي أحدهم مناماً يقول فيه إن الناس طلبوا من النبي الصلاة بهم فرفض وقدم مرسي. في مقطع فيديو يظهر شخص وهو مصاب في المستشفى ويدعو الله أن يتوفاه على "الإخوان".
على منصة كبيرة يقول أحدهم إن الاعتصام في رابعة خيرٌ عند الله من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي في رمضان. آخر يقول بأن جبريل معهم في الميدان. يبدو أنها فكرة مغلقة تماماً، وعاجزة عن تجاوز نفسها أو تطويرها، تلك التي ينطلق منها عماء جماعات الإسلام السياسي في نظرتهم وتعاملهم مع الوجود والآخرين، فيلجؤون لهذا القدر من الخرافة والهوس الديني لعزل الناس عن رؤية إخفاقاتهم، وخلق فوقيتهم المتعالية في الوقت نفسه! ما حدث وسيحدث أن كل مُغلق سيعيد إنتاج نفسه وتدويرها، وبالضرورة سينتهي به التاريخُ للتآكل.
رحم الله من مات من المصريين جميعاً في هذه الأحداث الأخيرة.